ما تقوله الأغنية

TT

لا تستمع لما يقوله أهل السياسة و«الوطنجية». استمع لما يغنونه. فالمعروف أن الموسيقى، وعلى الخصوص الأغاني الشعبية، هي التي تعكس روح الشعب وذهنيته. تذكرت ذلك وأنا أستمع للمطرب العراقي المبدع إحسان الإمام في حفلة له في كنيسة سان اثلبرغر. لفتت أسماعي أغنيته الشعبية «كذاب، كذاب، كذاب!» يقولها المحب لحبيبه. قول غرامي عجيب! ولكنه مجتمعنا القائم على الكذب. نكذب عندما يسألنا أولو الأمر، ويكذبون علينا عندما يخاطبوننا ويؤملوننا بوعودهم الكاذبة.

ولكنها ليست الكلمة الغنائية الواحدة التي تعبر عن أحوالنا. كلمة أخرى تتردد مرارا في أغانينا: الخيانة. يقف المطرب السوداني البارع زيدان إبراهيم لينادي حبيبه فيقول: «يا خاين! يا خاين!

وحرمت عيوني يا خاين رؤاك

وسعيت لهلاكي في أوسع خطاك

يا خاين! يا خاين!».

الكذب والخيانة والوشاية والنميمة.. كلمات نسمعها تتردد بسخاء في أغانينا. هكذا يقول المطرب الريفي العراقي:

«والواشي والنمام يسمع حكينا!».

الوقوع في الحب كله عذاب وتلف ومضيعة وموت وانتحار. فلا يملك المواطن العربي غير أن يؤنبك على جهالتك وحماقتك في الوقوع في الحب. هكذا تطورت وانتشرت كلمة العذول والملامة. يغني سيد درويش أغنيته الخالدة:

«أنا هويت وانتهيت وليه بقى لوم العذول

يحب إني أقول يا ريت الحب ده عني يزول

ما دمت انا بهجره ارتضيت وخلي اللي يقول يقول».

مع الخيانة تأتي كلمة الهجر: يا هاجرني تعمل كده ليه؟ يخونك الحبيب بهجره لك وانتقاله إلى حبيب آخر، بكل تأكيد أكثر ثروة منك وأهم منزلة ومركزا في الدولة.

لفتت نظري هذه الكلمات بما تحويه وتوحي به من أبعاد ومدلولات، إنني لم أسمع بمثيل لها في الأغنيات الإنجليزية والألمانية، وربما كل الأغاني الغربية التي سمعتها. لم أسمع أي مطرب إنجليزي يذكر في غنائه كلمة الخيانة أو الكذب، رغم كل الخيانات الزوجية والغرامية الشائعة بينهم. الحقيقة أن كلمة «الخيانة الزوجية» اصطلاح عربي محض أوحت به كثرة الخيانات الشائعة بيننا في شتى المجالات. تسمع الغربيين يطلقون عليها اصطلاحا خاصا عندما تقع في إطار الزوجية؛ «Adultery». الخديعة ومشتقاتها كلمات أخرى تتردد في أغانينا. أعود للمطرب السوداني زيدان لأسمعه يقول: «كلمة حب خدعتني بيها، معنى الحب غير معانيها.. يا خاين!»