رياض حجاب القفز قبل الغرق

TT

النظام السوري من وجهة نظر مؤيديه ومعارضيه، وحتى أبرز أركانه داخل سوريا، يعيش مرحلة النهاية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فانشقاق رئيس الوزراء رياض حجاب الذي لم يكمل شهره الثالث في هذا المنصب ووصوله للأردن يمثل حلقة مهمة جدا من حلقات الابتعاد عن الأسد من قبل أقوى المقربين إليه، بعد أن غيبت الأحداث أبرز الرموز العسكرية والمخابراتية للنظام، ومن الصعب جدا تعويض هؤلاء في هذه المرحلة الحرجة التي يعيشها النظام السوري.

مرحلة أقل ما يقال عنها بأن البعض قفز من السفينة قبل الغرق النهائي، قد يكون هذا التشبيه هو الأقرب للواقع السوري، وبالتحديد للمقربين من الأسد الذين لديهم قراءتهم الأكثر واقعية، لأنهم على علم ودراية بما يجري، وبما يفكر به الأسد نفسه، وبعضهم بدأ يشعر بالنهاية.

ولكن ماذا تعني هذه الانشقاقات من قبل قادة الصف الأول في النظام؟ تعني أن المرحلة الانتقالية بدأت تظهر الكثير من ملامحها، خاصة أن انشقاق البعض من هؤلاء لا يضيف قوة للمعارضة السورية بقدر ما إنه يمثل بالأساس ضربة للنظام من جهة، ومن جهة ثانية فإنهم سيحاولون - وربما حاول بعضهم - أن يطرح نفسه كسياسي مقبول في مرحلة ما بعد الأسد، وهي مرحلة أصعب من مرحلة سقوط الأسد نفسه.

جميعنا يعرف أن إسقاط صدام في العراق كان سهلا للقوات الأميركية، ولكن ترتيبات ما بعد صدام ما زالت لم تنجز بعد، وهذا الحال ينطبق على الكثير من الدول العربية التي تخلصت من أنظمتها الشمولية وما زالت تتخبط في ملفات كثيرة، سواء أكانت أمنية أم سياسية أم اقتصادية في ظل التزاحم الكبير على السلطة الذي يصل أحيانا كثيرة إلى الاقتتال.

وهذا ما يقودنا لأن نقول بأن مرحلة ما بعد الأسد في سوريا لا يمكن لها أن تتجاهل أولئك الذين تركوا الأسد في أوج الحاجة إليهم سواء أكانوا ضباط جيش أم سفراء أم وزراء أم شخصيات مؤثرة في سوريا، ومن الصعب أن لا يجدوا لهم مكانا في سوريا الجديدة، خاصة أن هؤلاء راهنوا على سقوط الأسد، وهذا ما دفعهم لأن يتخذوا هذا القرار في هذه اللحظات المهمة جدا لهم ولسوريا ولمستقبل البلد.

ولكن ما يمكن لنا أن نقوله في مسألة انشقاق رئيس الوزراء الذي كان بإمكانه أن يتصرف بشكل آخر خاصة أنه رئيس وزراء وليس مجرد دبلوماسي لا يمتلك من الصلاحيات ما يجعله قادرا على أن يلعب دورا حاسما في مستقبل سوريا، وهو بالتأكيد يتمتع ببعض الصلاحيات التي تمكنه من ذلك. ولكن على ما يبدو أنه لا أمل يرجى في إصلاحات أو حلول تكون قادرة على أن تتجاوز سوريا محنتها في ظل استمرار النظام باللجوء للخيارات العسكرية والأمنية التي لم تكن لتقف حائلا أمام تفجير الطابق الثالث من مبنى التلفزيون السوري في قلب العاصمة دمشق.

الشيء الآخر هو أن منصب رئيس الوزراء في سوريا - على ما يبدو - منصب شكلي بلا صلاحيات في ظل سيطرة مؤسسة الحزب الحاكم على كل المفاصل فيصبح حينها رئيس مجلس الوزراء مجرد موظف، وعادة ما يكون آخر من يعلم.