من قتل جنود مصر؟

TT

الحادث الإرهابي الأخير الذي وقع في سيناء وأدى إلى وفاة عدد كبير من جنود الجيش المصري كان بمثابة الصدمة الكبرى للمصريين، فهم أشبه بمن صعق من حجم الاعتداء والضحايا وجرأة المعتدي.

ولكن ما يحدث على أرض سيناء الآن هو نتاج طبيعي لظروف تراكمية تم الحديث عنها مرارا وتكرارا.

تعامل الحكومة المصرية مع منطقة سيناء كان تعاملا شاذا وغريبا، فهي منطقة سياحية.. فقط، ولكن حتما كان إحساس مواطنيها بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية محقا، فهم محرومون من الخدمات الصحية والتعليمية والبنية التحية اللائقة، وكان دوما يشار إليهم بالوصف الدارج في الإعلام المصري بأنهم «بدو سيناء» وكأنهم غير مصريين.

لم تستطع الحكومة المصرية جذب المشاريع العملاقة إلى منطقة سيناء، واكتفت بالتركيز على القطاع السياحي الذي أفاد بعض أهل سيناء، ولكنه حتما غير كاف لاستيعاب الاحتياج الكلي للمنطقة هناك.

وهذه الحادثة جاءت بعد سلسلة متواصلة من تحدي السلطات المصرية بحوادث متفرقة، ولكنها كلها كان الغرض منها إثبات زوال هيبة الدولة وهشاشة حضورها وغياب سطوتها حتى كانت الضربة الكبرى.

طبعا هناك الكثير من «المتهمين» الذين من الممكن أن يكونوا وراء هذا العمل الإرهابي، فهناك مجاميع متطرفة موجودة في سيناء تنتمي لمنظمات جهادية تكفيرية، وهناك فصائل موجودة في داخل قطاع غزة هي الأخرى لها نفس الأهداف والأغراض والمبادئ والتوجهات، وتريد إعادة ترتيب وضع المنطقة المجاورة لغزة ليكون في سيناء العمق الطبيعي والمكمل لها. وطبعا هناك إسرائيل التي تريد أن تبقي مصر في حالة قلق وتوتر وخلل وفقدان توازن مستمر، فهي الدولة العربية الأهم في مواجهة إسرائيل منذ تأسيسها، وهي الوحيدة التي تحسب لها حسابا استثنائيا.

ولكن هناك سيناريو آخر مهم ولا يمكن التقليل منه ولا من أهميته مهما بدا غريبا، وهو أن هناك حراكا غريبا يحدث فجأة «لتغيير الموضوع»، ففجأة حدثت واقعة الاعتداء على قافلة السياح الإسرائيليين في بلغاريا، والآن هذه الحادثة الكبيرة على أرض مصر، ودائما كان الغرض من الحادث هو سحب الأضواء من أحداث الثورة السورية على نظام بشار الأسد.

أنظار العالم بساسته وإعلامه مركزة وبشدة، ومحقة في ذلك، على تداعيات الوضع السوري، فهي القصة الأهم، والعالم العقلاني الحر بأسره يتعاطف مع الشعب السوري الذي يفقد العشرات من أبنائه بشكل يومي على أيدي نظام طاغ لا يتوانى في استخدام كل الأسلحة لقتل وإبادة شعبه ومدنه للإبقاء على حكمه الطائفي المتطرف مهما بلغ الثمن والتكلفة، ولأجل ذلك يتواصل مع العالم بآلة إعلامية سخيفة وهزلية أدمنت الكذب حتى احترفته ولكنها لا تتقنه، فيبقى الطرح ساذجا وتافها.

كان دوما لأجهزة الاستخبارات السورية أياد واصلة، وأشخاص يدينون للولاء المطلق لها في قطاع غزة تحديدا، ومن الفصائل الفلسطينية عموما تم توظيفهم بشكل فعال عبر سنوات طويلة كجزء من سياسة الترويج المستمر من النظام السوري لإظهار نفسه كوكيل حصري للقومية العربية ولفكرة المقاومة، وطبعا كل ذلك ما هو إلا هراء كبير.

مصر بحاجة لأخذ موضوع سيناء والتجاوزات التي حصلت فيها بحزم شديد، وإعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل، والسماح لقواتها بالتمركز بعمق أكبر، لأن الاتفاقية القديمة كانت لا تمكن الحكومة المصرية من توفير الغطاء الأمني الكافي، لأن من الواضح أن الاتفاقية كانت تراعي إسرائيل أكثر من الأمن المصري كما اتضح الآن.

وهي اليوم كحكومة ما بعد الثورة بحاجة لإعادة النظر في خططها التنموية في سيناء من ناحية أمنية بحتة، لأن سيناء كانت في السابق مكانا آمنا لزراعة نبات «البانجو» المخدر كبديل للدخل المفقود الطبيعي. حادثة الاعتداء الإرهابي على الجيش المصري في سيناء هي امتحان قاس للدولة المصرية وللقوات المسلحة، ولكن الاستخبارات المصرية مطالبة بمعرفة «الأسباب» و«الدوافع» وليس فقط الجناة، فهناك المكسب والفائدة الأهم من الحادثة الأليمة.

سيراقب العالم بدقة كيف ستتعامل الحكومة المصرية مع ما حدث، ليس فقط من ناحية الانتقام، ولكن لضمان عدم تكرار ذلك الأمر، وعدم استغلال أطراف «أخرى» للوضع المصري الحالي.

[email protected]