تبعات «الورقة الكردية»

TT

يوم دخلت القوات السورية إلى لبنان عام 1977، بتغطية «قومية» من الجامعة العربية، لإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوعه التي كانت تشهد حربا أهلية عبثية.. أحكمت سيطرتها على لبنان في بحر سنة واحدة. مع ذلك استمر احتلالها «الأخوي» للأراضي اللبنانية وتحكمها الرعوي بمصير اللبنانيين لأكثر من ثلاثين سنة، ولربما طال أكثر من ذلك لو لم يجابه بانتفاضة شعبية عرفت، آنذاك، بـ«ثورة الأرز».

على خلفية هذه السابقة العسكرية - السياسية بين دولتين عربيتين «شقيقتين» يجوز التساؤل عما إذا كان النظام السوري قد تحسب لما يمكن أن يفرزه من تعقيدات تلويحه بالورقة الكردية في إطار استراتيجية «شد الحبل» مع أنقرة، وبالتالي ما يمكن أن ينجم من تداعيات إقليمية – لا سورية فقط - عن أي «تدخل» تركي مباشر في الشأن السوري.

استفزاز دمشق لتركيا بدأ يعيدها إلى موقع اللاعب الإقليمي الرئيسي على الساحة السورية. ولم يعد خافيا أن تركيا لا تتحمل مسؤولية هذا الدور بلا تفويض «مباشر» من واشنطن. وقد يندرج الاتصال الهاتفي الذي أجراه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الأسبوع الماضي، مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في سياق التشاور حول هذا الاحتمال في وقت تتنامى فيه قناعة الإدارة الأميركية بضرورة تقديم مساعدات مالية ولوجيستية للثوار السوريين.

لا جدال في أن اهتمام أنقرة بالشأن السوري ينبع من اعتبارات «جيوبولوتيكية» تتعدى الموقف السياسي المحض من الانتفاضة السورية. وهذا الاهتمام ازداد بوضوح في أعقاب ما تناقلته وكالات أنباء غربية عن أن القوات السورية النظامية انسحبت من المنطقة الشمالية الشرقية المحاذية للحدود التركية فيما غضت السلطات السورية النظر عن سيطرة كوادر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي – المعروف بأنه «الشقيق» السوري لحزب العمال الكردستاني – على عدد من البلدات الكردية الحدودية بينها بلدتي عفرين وعمودا. ويبدو «تواطؤ» النظام السوري والقوى الحزبية الكردية في إقامة الأمر الواقع الجديد في المنطقة الحدودية من تمركز القوى الكردية في كثير من المراكز الرسمية للشرطة ومن إقامتها لنقاط تفتيش على طرقات المنطقة.. دون أي اعتراض من جيش النظام.

ولأن هذا التطور ترافق مع عودة مقاتلي حزب العمال الكردستاني إلى استهداف القوات التركية في شرقي الأناضول، تحركت «هواجس» تركيا حيال مشروع كيان كردي انفصالي على الجانب السوري من الحدود قد يصبح واقعا جغرافيا قائما في حال انهيار الكيان السوري وتشرذمه مذهبيا وإثنيا.

تخوف أنقرة من هذا الاحتمال عكسته تحركاتها الدبلوماسية الأخيرة، والحملة الإعلامية الواسعة التي أطلقتها للتحذير من الانعكاسات السلبية لأي تحرك كردي «انفصالي» على المنطقة ككل، وتحديدا نشرها لحشد عسكري ضخم على طول حدودها المشتركة مع سوريا، في ما يعتبر رسالة واضحة بأنها لن تسمح للنظام السوري بتجنيد الأكراد لشن حرب بالوكالة على أراضيها.

في ظل هذه التطورات يبدو تلويح دمشق بالورقة الكردية مرشحا لإفراز احتمالين، يفوق مردودهما العكسي على النظام ما يمكن أن يتوقعه من مكاسب ولو آنية:

- احتمال استعمال أنقرة التهديد الكردي لأراضيها ذريعة لشن عمليات «تعقب حار» لملاحقة المسلحين الأكراد داخل الأراضي السورية (على غرار ما فعلت مرارا في شمال العراق)، مع ما يستتبع ذلك من خسائر بشرية ومادية يتحمل النظام وقواته عبأها الأكبر.

- احتمال إقدامها على فرض «منطقة أمنية» في شمال سوريا (على غرار ما فعلت إسرائيل في جنوب لبنان بين عامي 1985 و2000) بداعي حماية حدودها من تسلل المسلحين. وغير خاف أن هذه المنطقة مرشحة لأن تتحول، ميدانيا، إلى ملاذ آمن للثوار السوريين، وربما قاعدة لحكومة سورية ديمقراطية.. وعليه يجوز التساؤل عما إذا كان النظام السوري احتسب، بدقة، تبعات التلويح بالورقة الكردية أم لا؟.