الحركات الصبيانية

TT

أحرجني أحد الأشخاص بطلبه أن أرافقه للذهاب لإحدى المحاضرات، ولبيت طلبه مجاملا إذ إن المحاضر نفسه (لا ينزل لي من زور). كانت القاعة ممتلئة، لكنهم مع ذلك أجلسونا مشكورين في الصف الأمامي، وأثناء إلقاء ذلك الرجل الثقيل الظل لمحاضرته انقطع مكبر الصوت، وحمدت الله كثيرا.

غير أن السيد المحاضر اضطر أن يرفع نبرة صوته التي لا تبتعد عن نبرة صوت (البومة)، ولكي يتأكد أن صوته يصل للجميع، أخذ يسأل وهو يشير لمن هم في الصف الأخير زاعقا: «هل تسمعونني؟!». فرد عليه أحدهم قائلا: «كلا». فما كان مني إلا أن نهضت من مكاني، واتجهت للذي تلفظ بـ«كلا»، قائلا له: «تعال مكاني وسأجلس مكانك، لأنني أسمع جيدا»، وجرت بعض الهمهمات والضحكات في القاعة.

وبعدها أصبح ذلك المحاضر يحقد عليّ، ولا يشاهدني في أي مناسبة حتى يدير لي ظهره، فأبادله المعاملة بالمثل، وأدير له ظهري.

قد تكون تلك الحركة التي أبديتها وقت المحاضرة غير لائقة، ولكن ماذا أفعل؟! أريد أن أعبّر عن شعوري بصدق، ولا أستبعد أنني في ذلك متأثر بحادثة كنت شاهدا عليها، عندما كنت في زيارة لزوجين عجوزين، وحدث نقاش وجدل بينهما على موضوع تافه بالنسبة لي، لكنه مهم بالنسبة لهما، وأمسكت الزوجة الحمقاء الثرثارة بناصية الحديث، وأخذت تتدفق بالكلمات كالسيل الهادر، والزوج كان متحملا وصابرا، يتحين الفرصة لتوقفها عن الكلام ليبدي وجهة نظره.

وما إن سكتت، وقبل أن يتفوه هو بكلمة واحدة، إذا بها تبتسم ابتسامة لئيمة، ثم ترفع عن أذنيها جهاز السمع.

عندها أسقط في يد المسكين والتفت لي بوجه معبر وكأنه يقول لي: «انظر لخباثة وتلامة النساء»، فهززت له رأسي من دون أن أتكلم وكأني أقول له: «نعم معك حق».

***

لم أندم قدر ندمي على حركة صبيانية، فعلتها في مجلس أحد الأصدقاء.

والحكاية وما فيها أنني كنت عائدا لتوي من رحلة خارجية، وقد اشتريت خلالها من أحد محلات الاختراعات، أو بمعنى أصح الألعاب العجيبة، علبة من البلاستيك، عندما تفتحها ينبعث منها بعد خمس دقائق صراخ امرأة مرعوبة يصم الآذان، ويقتنيها بالعادة النساء اللواتي يعشن وحيدات لإدخال الفزع في قلوب أشد المهاجمين، وفي ذلك المجلس استغللتها فرصة عندما كان الجميع يتحاورون، فخرجت ووضعت العلبة خلف الباب وفتحتها، ثم عدت بكل هدوء إلى مكاني، وما هي إلا دقائق حتى انطلق الصوت الرهيب، فقفز صاحب المنزل راكضا للداخل يظن أن زوجته قد أصابتها كارثة وهي التي تصرخ وتستنجد، فيما واجهته زوجته بالمقابل مهرولة للخارج عندما أرعبها الصوت، تريد أن تستطلع عن هذه المرأة التي هي في مجلس الرجال.

وسمعناهما جميعا، هو يقول لها: «سلامتك إيش فيك؟!»، وهي ترد عليه قائلة: «خش بعيني»، ثم تسأله بغضب وتشنج: «فين هي (الحرمة) التي تصرخ وتصيح عندكم يا (.....)؟!».

وبعد أن عرفت الزوجة أنني وراء هذه اللعبة البريئة، حلفت وأقسمت ألا تعتب قدماي باب منزلهم، ومن ذلك اليوم حتى الآن لم أدخل منزلهم، بل إن ذلك الصديق (قليل الخاتمة) قطع صلته بي نهائيا.

***

مع أنني لست بعاشق ولا أمت للعشق بصلة، فإن بيت الشعر هذا (لقيس ابن الملوح) أعجبني وهو الذي يقول فيه:

«وقالوا لو تشاء سلوت عنها.. فقلت لهم فإني لا أشاء».

[email protected]