المرضى وضجيج المستشفى.. أما من حلول؟

TT

تمت إثارة موضوع مستوى الضجيج في المستشفيات وتأثيراته على راحة ونوم ونجاح معالجة المرضى، مؤخرا في دراسة الباحثين من «الفريق الدولي لبحوث صوتيات الرعاية الصحية» International Healthcare Acoustics Research Team المنشورة ضمن عدد 11 يونيو (حزيران) الماضي من مجلة «حوليات الطب الباطني» الأميركية Annals of Internal Medicine.

وأفاد الباحثون بأن أصواتا معينة في المستشفيات، مثل المنبهات الإلكترونية لأجهزة الضخ في الوريد IV pump alarm، والهواتف ومحادثات العاملين، وغيرها كثير، يمكنها أن تتسبب بإزعاج شديد لأشخاص غير مرضى، ناهيك عن المرضى أنفسهم، إلى حد إيقاظهم من منامهم، وهو ما يفرض على المستشفيات والعاملين فيها التركيز في إيجاد وسائل وحلول لتخفيف مصادر الضجيج.

ولفت الباحثون النظر إلى أن الضوضاء ليلا هي واحدة من الشكاوى الرئيسية للمرضى الذين شملهم الاستطلاع عن آرائهم حول نوعية أوقاتهم التي قضوها بالمستشفى. وأوضح الدكتور جيرمي أكيرمان، العضو في الفريق والطبيب بكلية طب جامعة أموري بأتلنتا في الولايات المتحدة، قائلا: «لدينا شعور عام بأن الأصوات العالية تعيق توفير بيئة تسهم في سرعة الشفاء، والحل لا يكون فقط بجعل المستشفى أكثر هدوءا، بل نحن بحاجة إلى البحث عن نظم هندسية ومعمارية تخفف من نشوء الضجيج».

وكانت دراسة سابقة نشرت في يناير (كانون الثاني) الماضي قد لاحظت أن مستوى الضوضاء في بعض المستشفيات قد تتجاوز مقدار 80 ديسيبل decibels (dB)، لتصل إلى ما يعادل صوت المنشار الكهربائي chainsaw البالغ 110 ديسيبل، على حد قول الباحثين.

ومعلوم أن مستوى الضوضاء في الغرفة التي تُوصف علميا بأنها هادئة هو أقل من 30 ديسيبل، وأن سماع صوت محادثة لشخصين طبيعيين على بعد متر هو أقل من 60 ديسيبل، وأن 80 ديسيبل تعادل ضوضاء طريق عام من على بعد 10 أمتار.

كما لاحظ الباحثون في الدراسة أن درجة «الضوضاء المنخفضة» من منبه أجهزة ضخ الأدوية والمحاليل في الوريد وبمقدار 40 ديسيبل كفيلة بإيقاظ 90 في المائة من الناس. وأن 50 في المائة منهم استيقظوا على ذلك الصوت حتى حينما تم خفضه إلى حد «درجة الهمس» whisper level. وأضاف الباحثون أن المرضى قد لا يذكرون منغصات نومهم، لكنهم يشعرون بأقل مستوى من الراحة خلال يومهم التالي. وكذلك لاحظ الباحثون زيادة في عدد نبضات القلب مع كل ضوضاء صوتية مزعجة يسمعها الإنسان النائم.

وعلقت سوزان فرامبتون، رئيسة مجموعة «بلانتري» Planetree المعنية برفع مستوى الرعاية الصحية للمرضى، بالقول: «إن خفض الضوضاء شأن مهم لأن حالة المرضى النفسية والعضوية تزيد بسبب عدم النوم بهدوء».

وكانت مجلة «الرعاية الحرجة» Critical Care، قد نشرت في عدد مايو (أيار) الماضي دراسة للباحثين من جامعة أنتريب University of Antwerp في بلجيكا، حول جدوى إعطاء مرضى العناية المركزة Intensive Care Unit لسدادات أذن earplugs كي يسهل عليهم النوم، وتقل لديهم احتمالات الإصابة بالتشويش الذهني وتأخير إصابتهم أيضا بحالة الهذيان delirium. وأفادوا بأن عنابر العناية المركزة تتسم بالضجيج من منبهات وأصوات عمل الأجهزة ومن حركة وحديث العاملين وغيرهم فيها، وأن أشد ما يزعج المرضى هو أصوات الهواتف ومحادثات العاملين وغيرهم. ولاحظوا أن بدء المرضى استخدام سدادات الأذن خلال الأربع وعشرين ساعة الأولى للدخول إلى عنبر العناية المركزة يقلل من خطورة إصابتهم بحالتي التشويش الذهني والهذيان بنسبة تتجاوز 50 في المائة. وقال الباحثون: «سدادة الأذن وسيلة سهلة وزهيدة الثمن لتحسين نوم المرضى ووقايتهم من التشويش الذهني والهذيان».

ولاحظت دراسة برازيلية، تم نشرها في عدد مارس (آذار) - أبريل (نيسان) من مجلة «المجلة البرازيلية لطب الأنف والأذن والحنجرة» Braz J Otorhinolaryngol، أن عنابر العناية المركزة هي من المناطق الشديدة الضوضاء بالمستشفيات. وحينما قاسوا مستوى الضجيج حول 222 سريرا للمرضى في الأقسام المختلفة بالمستشفيات، ووجد الباحثون أن المعدل نحو 65 ديسيبل. ونبه الباحثون في محصلة الدراسة بضرورة تنبه العاملين الصحيين إلى مستوى التلوث بالضوضاء noise pollution وتأثيراته على راحة ومعالجة المرضى.

والواقع أن الضجيج في المستشفيات مشكلة معقدة جدا، وأخذت في السوء مع التقدم التكنولوجي وزيادة تدفق المرضى وتدني وعي مصممي بناء المستشفيات وعدم اكتراث أفراد الطاقم الطبي والعاملين والزائرين والمرضى وغيرهم من الموجودين بالمستشفيات بأهمية الهدوء وخفض مصادر الضجيج. وكان الباحثون من جامعة جون هوبكنز بالولايات المتحدة قد ذكروا في دراستهم المنشورة في مايو (أيار) 2006 أنه منذ عام 1960 ارتفع مستوى الضوضاء نهارا بالمستشفيات من 57 إلى 72 ديسيبل، وليلا من 42 إلى 60 ديسيبل، وهو مستوى يفوق إرشادات منظمة الصحة العالمية WHO لعام 1995، التي تنصح بألا يتجاوز الضجيج حول المريض مقدار 35 ديسيبل. ولا تزال هناك الكثير من الحلول التي تبدأ بالوعي بوجود المشكلة والعمل على وضع حلول عملية لها ليس فقط في سلوكيات العاملين والتعميمات الملزمة لهم بالهدوء، بل في أنظمة بناء المستشفيات وأجهزة التكييف والمنبهات الإلكترونية وأصوات الهواتف ونوعية أسطح الجدران والأرضيات الممتصة للضوضاء وغيرها من الوسائل التي تتحدث عنها كثير من الدراسات الطبية في هذا الشأن.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]