ربيع بلا زعيم

TT

ظاهرة «الربيع العربي» أنه كان بلا رموز. تهتز الأنظمة القوية من دون ظهور «رجل قوي». ربما كان الغنوشي في تونس استثناء نسبيا. لكنه في كل الحالات ورث محمد بوعزيزي الذي يظل رمز الربيع الأول، كما ورث حصافة الجيش. وفي ليبيا ظهرت مجموعة من الرجال بلا زعيم بارز أو حزب قائد، كما في ثورات العالم العربي الماضية، حيث كان الزعيم يشرق ولا يغيب. وفي مصر ظهر رجال كثيرون قبل أن يصل محمد مرسي إلى الرئاسة، ممثلا الجمهورية الجديدة. وفي سوريا التي تشتعل منذ عام ونصف، هناك معارضات ومجالس وجيش حر، وليس هناك رمز، أو الاتفاق على رمز.

عندما خرج العميد مناف طلاس من سوريا اعتقد البعض أنه قد يكون الرجل الذي يوحد المعارضة من حوله. لكن البعض الآخر اعترض بأن العميد كان لفترة طويلة ركنا من أركان النظام. وانشقاق رياض حجاب جعل منه مرشحا آخر، لكن الرجل «بعثي عتيق» في نظر المعارضين، وشريك قديم في منظومة الحكم. ومن قبل أخفق الدكتور برهان غليون في إضفاء كاريزما شخصية على المعارضة السياسية، غير قادر على الخروج من ثوبه الأكاديمي.

قد يبقى الربيع العربي تحت قيادات جماعية، ومن دون مرحلة الأفراد ذوي الكاريزما الشعبية، أو الحضور الشعبي. ففي اليمن ليس من يحركها كل يوم، معه أو ضده، مثل علي عبد الله صالح. وفي مصر لن يحتل محمد مرسي خطابات عبد الناصر أو السادات. وفي تونس لا بورقيبة بعد بورقيبة. فـ«الكاريزما» موهبة تصقل وليست درسا يعلم. ولكن هل الزعامة الوحدانية ضرورة حتى في العالم العربي الذي اعتاد الرجل الواحد والحزب الواحد؟ ألم يقم الربيع العربي من أجل الخروج من زمن التجديد والتمديد والتأبيد؟ قادنا الرجل الواحد إلى الخسارة والهلاك. حول الهزائم إلى انتصارات والفقر إلى مجد ومحا بالقضية الفلسطينية كل قضية أخرى، ثم محا في القضية الفلسطينية حتى من رفع العتب.

لم ترد فلسطين في بيانات وجداول حكام الربيع العربي. وبدل ذلك سمعنا السيد إسماعيل هنية يقول إن سيناء ستبقى أرضا مصرية. من يشعل سيناء ولماذا؟ في البداية ظهر وكأنها مسألة غاز وثأر لصفقة مريبة. لكن ما لبثنا أن رأينا أن الحرب على مصر مستمرة في سيناء؟ من هي الجهة التي لا ترضى حتى بحكم الإخوان المسلمين في القاهرة؟

لا يحتاج العالم العربي زعيما بديلا. لأن الزعيم لن يمضي إلا وقد أخذ البلد معه إلى حفرة ما. ولا يذهب إلا فوق قوافل من الجثث وبحار من الركام. يذكر في سجل زين العابدين بن علي أنه سارع إلى ركوب الطائرة قائلا للتونسيين: «لقد فهمتكم».. تكفي الإشارة.