مرسي والجيش قدما موافي كبش فداء لهجوم سيناء

TT

عندما أقال الرئيس محمد مرسي مدير المخابرات المصرية مراد موافي لفشله المزعوم في سيناء، كان في حقيقة الأمر يقيل جنرالا يحظى بثقة كبيرة من جانب مسؤولي أجهزة المخابرات الأميركية والإسرائيلية والأوروبية. وللمفارقة العجيبة، كان موافي واحدا من أكثر المسؤولين المصريين الذين يطالبون بشن حملة على وجود الميليشيات المتزايد في سيناء.

وقد أثارت هذه الإقالة مخاوف المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين من السياسات الأمنية لحكومة مرسي واتفاقها على الحماية الذاتية المتبادلة مع الجنرالات المصريين الذين ما زالوا يملكون قدرا كبيرا من السلطة من خلال المجلس العسكري.

ويبدو أن مرسي والجيش قد توصلا إلى أن يكون موافي هو كبش فداء الهجوم الإرهابي على سيناء والذي أسفر عن مقتل 16 جنديا مصريا. وعقب هذا الهجوم، شن الجيش المصري هجوما مسلحا على سيناء «لاستعادة الاستقرار والسيطرة على المنطقة» في تلك الصحراء التي لا تخضع لسيطرة القانون والتي أصبحت بمثابة مأوى للمتشددين الإسلاميين.

وللمفارقة كان موافي هو من طالب قبل شهرين بتنفيذ عملية عسكرية في سيناء من خلال كتيبة مدرعات تشمل 30 دبابة و8 مروحيات وغيرها من المعدات. وكان المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون قد طالبوا أيضا بشن هذا الهجوم، ولكن الجيش المصري تأخر كثيرا ولم يشن هذا الهجوم إلا بعد مقتل 16 جنديا.

وفي الحقيقة، كانت البيانات المصاحبة لإقالة موافي مفاجئة، بالنظر إلى خلفية الأحداث، حيث ألقى الإعلام المصري باللوم على موافي لتجاهله تقريرا استخباراتيا إسرائيليا بشأن هجوم الأحد، ورد موافي ببيان يقول فيه: «تلقينا تحذيرا استخباراتيا مفصلا» وقال إنه مرر هذا التحذير إلى الجيش لكي يقوم بالعمل المناسب إزاء ذلك. وعقب قرار الإقالة، قال موافي: «مهمة أجهزة الاستخبارات هي جمع المعلومات ومهمة الآخرين هي تعلم الدروس العملية على أرض الواقع استنادا إلى المعلومات الاستخباراتية».

وكان موافي رئيس مخابرات تقليديا، فهو رجل طويل القامة وحسن المظهر ويجيد الإنجليزية والفرنسية ويدير جهاز المخابرات العامة من مكتب حديث بضاحية حدائق القبة بالقاهرة. وكان مسؤولو الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية والأوروبية ينظرون إليه على أنه أحد أفضل العناصر في الحكومة الجديدة. ويبدو أن هذا الثناء قد أثار غيرة كبار الجنرالات المصريين.

لقد كان موافي الممثل الرئيسي لمصر لدى الفلسطينيين، فقد كان يعمل خلال الأشهر الماضية من أجل التوسط في اتفاق المصالحة بين حماس وفتح. لقد أدرك موافي أن مصر بات لها نفوذ أكبر على حماس بعد أن اضطرت الجماعة المتطرفة للهروب من قاعدتها في سوريا. ونظرا لعمله مع إسرائيل، تفاوض موافي على ما أصبح اتفاق وقف إطلاق نار فعلي مع حماس في غزة. مدير المخابرات المصرية الجديد، هو اللواء محمد شحاتة. ويوصف بأنه مسؤول ذو خبرة وعلى علم كبير بالملف الفلسطيني أيضا. ونظرًا لسمعة موافي الجيدة لدى الحكومات الغربية، شعر البعض بالقلق من احتمال أن يقدم نفسه مثل عمر سليمان، مدير المخابرات السابق الذي كان يتمتع بقبول كبير وأقرب مستشاري الرئيس حسني مبارك، وتولى إدارة بعض عمليات مكافحة الإرهاب الصعبة.

مع ذلك لا يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين كانت تخشى ذلك، على الأقل حتى الأسبوع الحالي الذي شهد بحث مرسي والجيش عن كبش فداء للكارثة التي حدثت في سيناء. في يونيو (حزيران) قبل أيام من جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها مرسي، ناقشت أمر موافي مع خيرت الشاطر، أحد المخططين الاستراتيجيين في جماعة الإخوان المسلمين. قال إنه في حال فوز جماعة الإخوان المسلمين، سيظل موافي في منصبه «لأننا لا نريد الاصطدام» فيما يتعلق بالسياسات الخارجية. وأضاف أن الإخوان المسلمين تدرك ضرورة التعامل مع بعض الأطراف الرئيسية، مثل إسرائيل وأميركا، عبر قناة الاستخبارات، وأن الاستمرار مهم. وكان ذلك واضحًا حينها. وإقالة موافي ليست سوى نقطة على شاشة رادار العلاقات المصرية - الأميركية، ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن حكومة مرسي تسير باتجاه بداية جيدة.

وكذلك يوضح هذا القرار أمرين آخرين. الأول هو أن الموقف في سيناء خطير ويزداد سوءًا. وتعتقد الاستخبارات الأميركية أن عددا كبيرا من الجهاديين انتقلوا إلى سيناء خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث جاء بعضهم من منطقة القبائل في باكستان، والبعض الآخر من ليبيا والسجون المصرية. ومن بين هؤلاء أفراد تصفهم الولايات المتحدة بأنهم «الطموحون في (القاعدة)». الأمر الثاني هو انشغال الجيش المصري بتلميع صورته والتصدي للمنتقدين المحتملين. ويبدو الجنرالات في ظل هذه الممارسات التي تهدف إلى البقاء، راضين عن العمل مع مرسي والإخوان المسلمين وكذا عن إقالة موافي.

* خدمة «واشنطن بوست»