ما يتعين على الولايات المتحدة القيام به في سوريا

TT

ثمة فرصة كبيرة أمام الولايات المتحدة لتسهيل التوصل إلى عملية انتقالية منظمة في سوريا من دون اللجوء إلى القوة العسكرية، ولكن هذه الفرصة تتضاءل بمرور الوقت، بينما ستحتاج إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لتعديل استراتيجياتها السياسية لتحقيق النجاح المنشود.

ومن الناحية الدبلوماسية، ركزت الإدارة الأميركية جهودها على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومجموعة «أصدقاء سوريا»، وهي المجموعة التي أنشأتها فرنسا، وتتكون من 88 دولة مشاركة و7 منظمات دولية، ودولة واحدة تتمتع بصفة مراقب وهي الفاتيكان. ولكن لا يزال مجلس الأمن يواجه طريقا مسدودا، بسبب استخدام روسيا والصين لـ«الفيتو» بصورة مستمرة، بينما تعد مجموعة «أصدقاء سوريا» مجموعة غير متجانسة لدرجة يصعب معها التوصل إلى أي اتفاق بشأن التدابير التنفيذية التي يمكنها تغيير الأوضاع على الأرض هناك.

ومن الناحية العسكرية، فإن قرار الإدارة الأميركية بتزويد المعارضة السورية بمساعدات «غير فتاكة» يؤدي إلى إطالة أمد المجازر وإراقة الدماء في ساحة المعركة. وعلى الرغم من المكاسب التي حققتها المعارضة السورية، والتي حالت دون تحقيق بشار الأسد لانتصار في هذه المعركة، لا تزال المعارضة ضعيفة للغاية بصورة لا تمكنها من إنهاء الصراع لصالحها. وبخلاف تفاقم الخسائر البشرية، تزيد الحرب الأهلية طويلة الأمد من احتمالات تفتت مؤسسات الدولة واستخدام أسلحة الدمار الشامل أو حتى وقوعها في الأيدي الخطأ، فضلا عن تمكين المتطرفين - مثل السلفيين المتشددين أو أفراد تنظيم القاعدة - من تحقيق مزيد من المكاسب وتفاقم أعمال العنف العرقية والطائفية عقب سقوط نظام الأسد.

ولكي تتمكن من تسهيل التوصل لعملية انتقالية منظمة من دون اللجوء لاستخدام القوة العسكرية، ينبغي على الولايات المتحدة الأميركية القيام بخمسة أشياء:

أولا: إقامة «تحالف للدول ذات الصلة»، وهي مجموعة من البلدان ذات التفكير المتماثل، التي تتمتع بنفوذ وتأثير هائلين في سوريا. وبينما ستستمر في العمل داخل الأمم المتحدة ومجموعة «أصدقاء سوريا» وحلف شمال الأطلنطي (الناتو)، يجب على واشنطن التركيز على تكامل الجهود مع تركيا والمملكة العربية السعودية والأردن وقطر والدول الخليجية الأخرى، فضلا عن بريطانيا وفرنسا.

ثانيا: يجب على الرئيس أوباما تعيين مبعوث خاص له للعمل مع التحالف على تنظيم المعارضة السورية في شكل جبهة ذات قاعدة عريضة، كي تكون بمثابة الوسيلة لتحقيق الاستقرار في المرحلة الانتقالية في سوريا واجتذاب دعم السوريين الخائفين من تغيير النظام وانتقاء العناصر المناسبة من نظام الأسد.

من المحتمل حدوث حالة من الفوضى وإراقة الدماء في سوريا على غرار ما حدث في العراق، بحيث تقوم الأقلية العلوية بإعلان التمرد نظرا لشعورها بالمرارة من فقدان امتيازاتها السابقة، بينما تسعى الأغلبية السنية إلى الأخذ بالثأر بعد وصولهم إلى السلطة عقب عقود طويلة من القمع.

فشلت القوى الإقليمية في توحيد صفوف المعارضة السورية، أو حتى تحديد أسماء القيادات الذين يتمتعون بمصداقية ودعم وطني واسع. يتألف المجلس الوطني السوري، على نحو غير ملائم، من الأشخاص الموجودين في المنفى وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، الذين لم يتسن بعد التأكد من عدد أتباعها ومناصريها داخل سوريا، أو حتى من صدق التزاماتها المعلنة حول سوريا موحدة. على الرغم من أن الجيش السوري الحر يعتبر أكثر تناغما مع الواقع على الأرض، إلا أنه يظل من غير الواضح مدى وحدة هذه الجماعة، وما إن كان باستطاعة هذه القوة شبة العسكرية حكم البلاد بصورة مسؤولة بمجرد انتهاء القتال أم لا. وبينما يظل ولاء الأكراد للدولة السورية محل شك، ظل الجيش السوري، الذي تسيطر عليه الطائفة العلوية، مواليا لأسرة الأسد طيلة الأعوام الطويلة الماضية.

وبينما ينبغي أن يكون موضوع تعزيز الديمقراطية هو الهدف الأهم، ربما تواجه واشنطن بعض الخيارات البغيضة الأخرى على المدى القصير، مثل اندلاع حرب عرقية أو طائفية أو انقلاب يقوم به بعض ضباط الجيش الراغبين في التعامل مع المعارضة وخوض غمار عملية الإصلاح في البلاد.

وحتى يتسنى لها تقليل مخاطر اندلاع حرب أهلية في سوريا، ينبغي على الإدارة الأميركية العمل مع عناصر المعارضة المعتدلة على طمأنة العلويين والمسيحيين والأكراد وغيرها من الأقليات الموجودة في سوريا، وهو الأمر الذي من شأنه إحداث المزيد من التصدع في أوساط المؤيدين للنظام السوري.

ينبغي على واشنطن أيضا السعي لحشد كل تلك القوى حول مبادئ الديمقراطية والتعددية ولامركزية الحكم واحترام حقوق الجميع. ومن خلال العمل مع المعارضة، يجب على الولايات المتحدة تشجيع انقلاب عسكري يكون بمثابة المحطة على الطريق نحو الوصول إلى الديمقراطية الكاملة مع الحفاظ على مؤسسات الدولة الرئيسية. وبمجرد وقوع هذا الانقلاب، يتعين على واشنطن الإصرار على التزام هؤلاء المنشقين بإصلاح الوزارات الرئيسية وتسهيل عملية التحول نحو الديمقراطية.

ثالثا: يجب على واشنطن وضع نهاية لحالة الانقسام الواضحة في الجهود الرامية لحل الأزمة السورية، وهو الأمر الذي يعطي القوى الإقليمية زمام المبادرة في تسليح المعارضة السورية. يجب أن تضطلع الولايات المتحدة بدور أكبر في موضوع تسليح المعارضة، حيث إن هذا الدعم العسكري سيوفر القوة اللازمة لتشكيل جبهة سياسية موحدة. سوف تؤدي المشاركة المباشرة للولايات المتحدة في تسليح المعارضة إلى تحسين عملية توزيع هذه الأسلحة على السوريين الذين يتبنون منهجا معتدلا وشاملا، وهو الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى ترجيح ميزان القوة بعيدا عن الجماعات الإسلامية والطائفية.

رابعا: ومع تغير الظروف، يجب على واشنطن السعي للوصول إلى تفاهم مع موسكو، حيث إن الدعم الروسي والإيراني الصريح لبشار الأسد قد أدى إلى استعداء أعداد كبيرة من السوريين ضدهما، مما يهدد مصالحهما في سوريا على المدى البعيد. وعلى الرغم من ذلك، لن توافق روسيا وإيران على مرحلة انتقالية منظمة في سوريا إلا إذا تأكدت هاتان الدولتان أن سقوط الأسد أصبح وشيكا، وأن دعمهما غير المشروط للأسد قد أصبح استراتيجية خاسرة.

يجب على هذا التحالف تسهيل حدوث تحول في سياسات روسيا تجاه الأزمة السورية من خلال طمأنة موسكو بأن مصالحها الاستراتيجية والتجارية الرئيسية في سوريا يمكن حمايتها في ظل نظام جديد في البلاد. وفي المقابل، ينبغي على روسيا الامتناع عن استخدام الـ«فيتو» ضد قرارات مجلس الأمن المدعومة من قبل الولايات المتحدة وأن تتوقف عن تقديم كافة أشكال الدعم لنظام الأسد، بل وأن تمارس الضغط على نظام بشار الأسد في دمشق.

أما إيران، الداعم الرئيسي للأسد، فإن استمالتها سيكون أمرا صعبا للغاية، فبالنظر إلى مخاطر حدوث رد فعل عنيف ضد الحلفاء والأشقاء الطائفيين في النظام، يمكن أن تتحول طهران إلى تبني سياسة ذات مسارين؛ التخلي عن الأسد والمشاركة في المعارضة ودعم عملية التحول السياسي، مع تقديم الدعم لفلول نظام الأسد في الوقت نفسه. وتقوم إيران بلعبة مماثلة في شتى أنحاء الإقليم، لذا فإن تعزيز عملية التحول السياسي التي تحظى بدعم واسع النطاق في سوريا من شأنه أن يترك طهران أمام القليل من الخيارات، فإما أن تقوم باستيعاب النظام الجديد، أو سوف تتأثر علاقاتها بشدة مع الحكومة الجديدة في سوريا، التي تشعر بالفعل بالغضب من الدعم الإيراني لنظام الأسد.

خامسا: يتعين على واشنطن أن تظل منفتحة أمام دور نشط تقوم به الأمم المتحدة في وضع اللمسات الأخيرة على خارطة الطريق الخاصة بالمرحلة الانتقالية بمجرد أن تتهيأ الظروف المواتية لإقامة نظام جديد في سوريا. قامت الأمم المتحدة بلعب دور مماثل في أفغانستان فيما بعد مرحلة «طالبان»، وغيرها من الأماكن الأخرى، حيث قام مبعوثو الأمم المتحدة بتحفيز عملية وضع نظام مؤقت وصياغة دستور جديد وإجراء انتخابات.

لقد حان الوقت لمشاركة أكثر فعالية بالنسبة للولايات المتحدة في سوريا. وعن طريق إنشاء «تحالف للدول ذات الصلة»، يمكن لواشنطن أن تسهل عملية الانتقال السياسي التي من شأنها أن تنهي إراقة الدماء والحيلولة دون وقوع كثير من الأزمات - بداية من الإرهاب إلى انتشار أسلحة الدمار الشامل - فضلا عن وضع حجر الأساس لسوريا ديمقراطية ومستقرة.

* الممثل الدائم السابق للولايات المتحدة في الأمم المتحدة بين 2007 و2009 في عهد إدارة جورج بوش

* خدمة «واشنطن بوست»