قبضوا على أبو «الميش»!

TT

يبدو أن أحداث الثورة السورية انتقلت من كونها شأنا سوريا داخليا بحتا لتحتل الآن مساحة في الشأن اللبناني الداخلي. الشأن السوري كان دوما حاضرا بل طاغيا على المشهد اللبناني، فهو كان ولا يزال لأسباب مختلفة الحاضر الأكبر، ولكن الآن مع الترنح الهائل لنظام بشار الأسد وفقدان النظام للهيبة والوقار والاحترام في ظل ثورة شعبية عارمة عليه وتأييد عالمي ساحق للشعب الثائر، بدأت تظهر حركات ومواقف في لبنان كانت غير ممكنة ولا مقبولة ولا يمكن أن تحصل قبل انطلاق الثورة السورية. ولعل ما قامت به السلطات الأمنية اللبنانية منذ أيام بشكل مفاجئ من إجراءات قضائية اقتضت توقيف الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة، وهو معروف عنه أنه أحد كبار مؤيدي نظام الرئيس السوري بشار الأسد وبوق إعلامي فعال وعضو نشط في آلة الإعلام والعلاقات العامة وتلميع النظام السوري، خير دليل على ذلك.

لم تكتف السلطات اللبنانية بإيقاف الوزير، ولكنها «سربت» معلومات في غاية الأهمية عن أسباب إلقاء القبض الاحترازي عليه، وهي قيامه بإعداد مخطط للتفجيرات في مناطق مختلفة وبحق شخصيات مختلفة، مثل النائب الإسلامي عن منطقة عكار خالد الضاهر والمحسوب على تيار المستقبل، وكذلك بحق البطريرك بشارة الراعي الزعيم الروحي الكبير لطائفة الموارنة. وكل هذا كان الغرض الرئيسي منه إطلاق شرارة الفتنة الطائفية للزج بالبلاد في معارك هائلة الغرض الأساسي منها إشغال الناس عن دعم الثورة السورية والتي بات التأييد والدعم لها في لبنان مسألة لا يمكن تجاهلها ولا إخفاؤها.

ميشال سماحة كان من الشخصيات «غير القابلة للمس»، والمحسوبة بشكل مباشر على النظام السوري، وكان ممن يطلق عليهم لفظ «من زلم بشار»، ولكن الهيبة سقطت والوضع تغير، وحتما أصاب هذا الحدث دمشق بنوع من الصدمة أفقدها الكثير من ماء الوجه، وهو الذي جعل بشار الأسد بحسب التسريبات يجري العديد من الاتصالات الهاتفية بأعلى السلطات السياسية الحاكمة في لبنان (وهي التي وافقت سلفا على الإجراء القضائي والأمني بحق ميشال سماحة) بأن يطلقوا سراح الرجل، إلا أن الرد كان أن الأمور يجب أن تتخذ دورتها القانونية والنظامية حتى نهاية الطريق.

هناك «انشقاقات سياسية» منتظرة أيضا في لبنان، الكثير من الوجوه التي أجبرتها الظروف على الانضمام إلى حلف سياسي محسوب بقوة على سوريا تعاود التفكير وتستعد للإعلان عن انشقاقها الصريح عن سوريا وحلفائها.

سوريا التي زرعت الآلاف من رجالها في لبنان لتنفيذ الكثير من توجهاتها، لن تسكت، وسيكون من الطبيعي مشاهدة الكثير من حوادث الاغتيال والتفجيرات والانتقام الجماعي (تماما كما يقوم النظام بعمله في سوريا نفسها). النظام السوري يتلقى الصدمات الواحدة تلو الأخرى، وها هو الآن يتلقى صدمة فاضحة (نظرا لوجود أدلة دامغة ومدينة بحق سماحة بحسب اعترافاته أيضا في التحقيق الأولي)، لن يكون بالسهولة أن يخرج منها سليما بالرغم من الجعجعات الإعلامية التي يقوم بها الجهاز الإعلامي الداعم للتيار المساند لميشال سماحة، والذي أنكر الحادث تماما في الساعات الأولى ثم سرعان ما قال إن الحادث «مدبر»، وأنهم سوف يقومون بحرق جميع الطرقات والمعابر حتى يتم إطلاق سراح المتهم!

لبنان قام بخطوة مهمة وطال انتظارها لتكريس هيبة الدولة والوصول بالقبضة القضائية إلى رجال كانوا يوما ما فزاعات على رقاب العباد، ولكن يبدو أن الزمن الكريه هذا آن أوان انتهائه.

[email protected]