وصل متأخرا

TT

لكن المشكلة ليست في الوسيط.. إنما في طبيعة الصراع. والمعضلة أمام الأخضر الإبراهيمي لا تنفع فيها خبرته في هايتي أو أفغانستان أو لبنان. ثمة عنصر واحد يميز الأخضر عن سواه، ربما، وهو الطبع الجزائري الذي لم يفقده خلال إبحاره في أزمات العالم ومهام الأمم المتحدة: الصلابة والشجاعة في نقل الحقيقة إلى الفريقين.

هل يمكن أن يبنى الأمل على هذه الميزة؟ لا أعتقد. يحل الأخضر مكان رجل طالما اصطفى المبعوث الجزائري مستشارا ووسيطا أيام كان هو في الأمانة العامة. لكن الأرجح أنه يصل متأخرا على عقارب ساعات الجميع: الأمم المتحدة والنظام والمعارضة والجامعة العربية، التي فاتها أن تتذكر سيرة الجزائري الصريح قبل أن تكلف الغاني المتعثر في تلوين الحقائق وتليين المعوقات.

أضاع أنان الكثير من الوقت، على الجميع وعلى خلفه. ولا أحد يعرف نسبة الفرص الباقية في صراع تجاوز الأبعاد الداخلية والإقليمية والدولية. نضع دائما صلابة الإبراهيمي في الاعتبار. ونعرف جميعا أنه سوف يتحدث بلغة واضحة، خصوصا أنها لغة عربية يفهمها الجميع، أو هكذا يتوقع. لكن هل يكفي ذلك لكي نبني عليه التفاؤل؟ لا. لقد دخلت الكارثة السورية في نفق عدمي يصعب استعادتها منه. الضحايا والخراب والموت واعتقالات كما الارتكابات المتبادلة، تخطت طاقات الاحتمال.

لكن إذا كان هناك من ضوء أخير أو فرصة أخيرة فإن الأخضر الإبراهيمي هو الرجل المؤهل أكثر بكثير من الرجل الذي أعلن عجزه واستقالته.

لم يعلن أنان استقالة مهمته أيضا. وربما كان ذلك أفضل، على الرغم من أن الدبلوماسية بالها طويل وصبرها إلزامي. وهو لم يترك للأخضر إلا يباس المهمة. ومع ذلك لا يجوز في الكوارث إعلان اليأس. يجب النظر إلى ما لم يهدم وليس إلى ما تحول إلى خراب.. وإلى الذين لم يشردوا بعد، وإلى وقاية الذين لم يقتلوا ولم يصابوا. ويجب النظر خصوصا إلى خلاص سوريا كدولة ووطن ومقام في قلب الأمة. وكل هذا أصبح مهددا ومزعزعا الآن.

لم يكن كوفي أنان يجهل معطيات الصراع، لكن الأخضر الإبراهيمي يعرف أيضا معطيات النفوس وطبائع المتصارعين، الذين كانوا يوما الأكثر حماسا للجزائر يوم كان هو مناضلا شابا. هل يحقق الأخضر الإبراهيمي خرقا أو يحقق مهادنة أو يفتح نافذة على أمل؟ من يعرف الأخضر لا يمكن إلا أن يأمل. لكن من يرى طبيعة الصراع لا يملك إلا اليأس.