تحدي القرن: الطائفية أم الوطن؟

TT

أسوأ ما يمكن أن يحدث لطائفة ما داخل مجتمعها الكبير هو أن يتم تصنيفها على أنها تضع انتماءها الطائفي فوق التزامها الوطني. تلك الأزمة تواجه الآن وبقوة الطائفة العلوية الكريمة، وهي تواجه موقفا لا تحسد عليه بين نظام أقلية يقود مجازر دموية ضد شعبه ساعيا إلى إنشاء دولة طائفية. والأزمة ذاتها تواجه شيعة لبنان وهم يصارعون معركة الانحياز إلى الضمير الإنساني تجاه موقفهم من أحداث سوريا، في ظل التزامات أمنية حديدية فرضها السلاح والدم والمال.

وكما علمنا التاريخ الأوطان تبقى، أما الطوائف فتندثر أو تهاجر أو تتم تصفيتها دمويا!

تلك الأزمة واجهت دروز لبنان بقيادة آل جنبلاط، ولكن استطاع «وليد بك» - بصرف النظر عن تقييمك له - أن يحافظ بسياسة «مطاطية» متقلبة على مصالح الطائفة داخل نسيج المجتمع الواحد. والأزمة ذاتها واجهت موارنة لبنان الذين انقسموا ما بين دعم الدور العروبي ممثلا في الانحياز لسوريا، والدور الفينيقي المتطلع عبر المتوسط إلى سواحل فرنسا الأم الحنون للبنان. وظل الانقسام واضحا، حتى جاء البابا يوحنا الثاني وأصدر وثيقة من الفاتيكان تطالب مسيحيي لبنان بالعيش المشترك، وبضرورة الاتفاق على وجه لبنان العربي. الأزمة ذاتها الآن تواجه الأكراد في سوريا وتركيا والعراق، الذين حسموا الموقف بشكل واضح بأن تجربتهم الوطنية القاسية في هذه الدول لا حل لها إلا بعمل وطن قوي للأكراد يجمع الشتات الكردي ويحافظ على الهوية الكردية.

ويواجه مشروع الدولة الكردية عدة تحديات، أولها في كردستان العراق الذي لا ينقصه إلا الإعلان عنه فقط، أما الثاني فهو في سوريا وهو مرتبط بتطور الصراع العسكري الدائر في البلاد والموقف السياسي المتشدد من الجارة تركيا الرافضة وبقوة لدولة كردية تجمع أكراد سوريا وتركيا معا.

ما يحدث الآن في العالم العربي والمنطقة هو الاختبار الصعب ما بين استمرار كيانات وأقليات داخل الدولة الوطنية الموحدة ذات النسيج المتشابك المتعدد، أو اللجوء إلى المشروع المطروح الآن وبقوة وهو تلبية حقوق الأقليات من خلال انفصالهم واستقلالهم بكيانات ممثلة في دويلات!

باختصار «نندمج» أم «ننفصل»؟.. تلك هي المسألة، وهذا هو السؤال الصعب.

المتابع لمراكز الدراسات الأميركية منذ مطلع الثمانينات سوف يلاحظ تسويقها لفكرة الدويلات المتعددة في المنطقة كأفضل مشروع يلبي احتياجات ومطالب هذه الكيانات بعدما فشلت الدولة الوطنية في تلبيتها. هنا سوف نجد أن القائمة سوف تتسع لتشمل: الأقباط والنوبة في مصر، والأمازيغ في المغرب العربي، والشيعة والسنة والأكراد في العراق، والحوثيين في اليمن، وقبائل النوبة في السودان، والدروز في جبل لبنان، والطوارق في الجزائر وليبيا، والشيعة في البحرين، والصومال الذي ليس بحاجة إلى تقسيم أكثر ما هو عليه الآن! وبالتأكيد فإن مفاضلة تلك القوى بين الانخراط في الدولة أو الاستجابة إلى دعاوى الانفصال التام ستكون مسألة محفوفة بمخاطر وحسابات صعبة ودقيقة للغاية.

علينا أن نقول وبشجاعة إن معظم مشروعات الدولة الوطنية عاملت الأقليات الدينية والعرقية والقبلية بنوع من العنصرية وعدم المساواة، واليوم جاء وقت دفع تلك الفاتورة!