إيرانيون في سوريا!

TT

آخر الأخبار المتعلقة بالإيرانيين في سوريا، كان خبر اختطاف ثمانية وأربعين إيرانيا، كانوا في حافلة تسير على طريق مطار دمشق الدولي في رحلة باتجاه مقام السيدة زينب، أحد المقامات الدينية بالقرب من العاصمة السورية، وقيل في حينها، إن المختطفين الإيرانيين، كانوا في إطار زيارة دينية، وهو تقليد إيراني تكرس وانتظم في العقود الأخيرة من العلاقات الإيرانية - السوريالتي أعيد في إطارها إحياء وتجديد كثير من الأماكن الدينية للطائفة الشيعية، التي تنتمي إليها أكثرية الإيرانيين.

أهمية الحدث الإيراني في سوريا، تنبع من ظروفه وتفاصيله. فمنذ عقود ثلاثة، كانت تتواصل أفواج الزيارات الدينية الإيرانية إلى دمشق، بمعدل أسبوعي يتراوح ما بين خمسة وعشرة آلاف زائر، يقيم فيها المشاركون في فنادق بوسط العاصمة السورية، ومنها ينتقلون لزيارة أماكن دينية في قلب دمشق وفي محيطها، وقد تطورت الزيارات في فترة من الفترات إلى محافظات سورية بينها الرقة حيث مقام أويس القرني.

طوال تلك العقود، لم يكن يحيط بالوجود الإيراني في سوريا أي إشكالات، بل إن السوريين، كانوا يحتفون بالإيرانيين بسبب ما يجمعهم من روابط تاريخية وثقافية وتقارب سياسي أكثر مما يحتفون بالغرباء الذي هو سلوك سوري تقليدي. غير أن قاعدة الاحتفاء بالإيرانيين أخذت تتغير بعد بدء الثورة السورية في مارس (آذار) 2011، إذ ظهرت تصريحات لمسؤولين إيرانيين أدانت التحركات الشعبية، وأعلنت تأييد النظام والوقوف إلى جانبه، ثم زاد على ذلك قيام السلطات الإيرانية بتقديم دعم سياسي وإعلامي واقتصادي للنظام، وسط تقارير تحدثت عن دعم عسكري وأمني وتكنولوجي عززت الحل الأمني - العسكري ومجرياته، بل إن بعض التقارير أشارت إلى مشاركة عناصر إيرانية في عمليات قمع حركة الاحتجاجات، وكان أبرز ردود الفعل على ما سبق اختطاف سبعة عناصر من الإيرانيين في حمص العام الماضي اتهموا بأنهم عناصر عسكرية بخلاف التأكيدات الإيرانية والسورية الرسمية بأنهم خبراء في مجال الطاقة ليس إلا.

لقد أفسد الموقف الرسمي الإيراني البيئة التي كانت تحيط بوجود الإيرانيين في سوريا وعلاقاتهم، وكان من ثمرة ذلك، أن توقفت قوافل الزوار الإيرانيين إلى الأماكن الدينية، والتي يتم رعايتها رسميا، وبالتأكيد فإن الإيرانيين من ركاب الحافلة الذين تم اختطافهم كانوا خارج قوافل الرعاية الرسمية، على الرغم من تأكيدات المصادر الإيرانية أنهم زوار للأماكن الدينية بخلاف ما أشاعه المعارضون من الجيش الحر السوري، من أن هؤلاء ليسوا أكثر من عناصر عسكرية، تلعب دورا في الدعم الإيراني للسلطات السورية.

ولعل الأهم في موضوع المختطفين الإيرانيين، أن اختطافهم جاء بعد عملية اغتيال علي حسين زاده المستشار العسكري الإيراني في السفارة الإيرانية بدمشق، إضافة إلى ما يحيط بعملية الاختطاف في الظرفين الزماني والمكاني، فقد بدا وجودهم في دمشق ملتبسا من الناحية الزمنية، إذ ترافق ذلك الوجود مع أضخم عمليات عسكرية أمنية تقوم بها السلطات في العاصمة السورية منذ اندلاع الأحداث، الأمر الذي جعل من الخطر الشديد، أن يقوم أي أشخاص بالتنقل في أي جزء من العاصمة، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بحافلة تضم ثمانية وأربعين شخصا، والأمر الثاني يتعلق بوجودهم في المكان الذي كانت تسير فيه الحافلة، وهو طريق مطار دمشق الدولي الذي يعتبر في عداد المناطق الأمنية المقيدة العبور للمارين عليها، ويدعم واقع الظرفين الزماني والمكاني الخصوصية، التي تحوز عليها حافلة المخطوفين، وتجعلها أقرب إلى ما تقوله عناصر الجيش الحر من أن المخطوفين ليسوا من زوار الأماكن الدينية، ومما يزيد أرجحية هذا التقدير، أمران، أولهما أن كل ركاب الحافلة من الرجال، وقد درجت العادة على وجود نساء ورجال في حالات الزوار، والأمر الثاني، أن ركاب الحافلة في أعمار ما بين الشباب وأوسط العمر، وغالبا ما يكون بين الزوار بعض الرجال المسنين.

وبغض النظر عن حقيقة الأمر في صفة المخطوفين سواء كانوا من الزوار أو من العناصر العسكرية، فإن عملية الاختطاف، تؤشر بصورة عملية إلى تردي وضع الإيرانيين في سوريا، وهي تؤشر إلى تدهور مقبل في العلاقات السورية - الإيرانية خاصة في حالة تغيير النظام الراهن، وغالبا فإن السوريين والإيرانيين سوف يحتاجون لكثير من الجهد والوقت لاستعادة السياق الأفضل لعلاقة البلدين والشعبين في المستقبل.