فلسطين التي لا يعرفها رومني

TT

أنا فخور بكوني أميركيا، ورجل أعمال مجتهدا يوفر فرص عمل جديدة، كما أني مسيحي مخلص. إضافة إلى ذلك فأنا فلسطيني. وبقدر هوياتي المتعددة التي قد تثير حيرة ميت رومني، لكنه بحاجة إلى تعلم درس واستعير كلماته الأخيرة «الثقافة وأشياء قليلة أخرى».

ولو أنه قضى يوما بالأرض المقدسة، لاصطحبته إلى حي القدس الذي أقامت فيه عائلتي خمسة قرون. ولطفت به بين أشجار البرتقال في يافا التي ساعدت أسرتي في تقديمها إلى العالم خلال حقبة الثلاثينات.

هذا صحيح؛ لأن برتقال يافا علامة تجارية فلسطينية، لا إسرائيلية. بيد أنه مثل حال كثير من العلامات الثقافية التي تنسبها الدولة اليهودية لنفسها، صودرت حتى أشجار الفاكهة التي زرعتها عائلتي لقرون من أهلها.

ربما ينطلي على رومني أن البرتقال والفلافل والحمص - أساسيات المطبخ الفلسطيني على مدى أجيال - منتجات إسرائيلية. لكن كيف يجرؤ على الزعم أن دولة بنيت على حساب تاريخ وإنجازات شعب آخر هي «هبة إلهية»؟

لم تجعل إسرائيل الصحراء زاهرة، لكنها عوضا عن ذلك، وبفضل الاتفاق الذي أبرمته مع مسؤولي الانتداب البريطاني، تمكنت من الاستحواذ على الأرض وعدد من المؤسسات، وهي ثقافة لم تكن خالصة لها بذاتها.

قامت بذلك على حساب شعبي. وكما هو الحال مع أكثر من ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني، أجبرت عائلتي على الرحيل عن هذه الأرض بعد إنشاء إسرائيل عام 1948. وعلى الرغم من إجبارهم على التخلي عن أعمالنا الناجحة ومنازلنا التي تعود لنا لقرون، إلا أننا لم نصبح ضحايا «غير مثقفين» كما يوحي كاريكاتير رومني.

توجه غالبيتنا إلى الدول العربية الأخرى، حيث عرف الفلسطينيون بالفطنة التجارية والحنكة الإدارية، وساعدوا في بناء القطاعات العامة والخاصة الناشئة. واسألوا إخواننا العرب في لبنان والأردن وفي مناطق أخرى في منطقة الخليج العربي، وسوف يخبرونكم أن الثقافة الفلسطينية التي ترتكز على التعليم والعمل الجاد كانت قوة للأمل والتنمية والرفاهية. وبرغم ظروفهم، عاش الفلسطينيون في ظل احتلال وحشي يتقاسم نفس الثقافة ويتيه بالإنجازات العظيمة. بالنسبة لي، فقد عدت أنا بمفردي إلى فلسطين لإنشاء أول مصنع لتعبئة الكوكا كولا في الضفة الغربية. وقد نال جائزة أفضل عملية تعبئة في البلاد في مايو (أيار) من شركة كوكا كولا، وهي شهادة على براعة زملائي وتصميمهم. لكن هذه السمات وحدها لا يمكنها التغلب على التأثيرات الخانقة للاحتلال الإسرائيلي.

ولو أن رومني يدرك الأمر حقا، لعلم أن الإسرائيليين يفوقون الفلسطينيين في الثروة الخالصة. والحقيقة أن تقديراته للتباين كانت متحفظة للغاية. فنصيب المواطن الإسرائيلي من إجمالي الناتج المحلي يصل 32.000 دولار تقريبا في مقابل 1.500 دولار هي نصيب المواطن الفلسطيني.

اللافت للانتباه أن 1.500 دولار هي تقريبا نصف ما كان يحصل عليه الفلسطينيون في عام 1993 أثناء توقيع اتفاقيات أوسلو. وبعبارة أخرى، فإن عملية السلام التي رعتها الولايات المتحدة جعلتنا أكثر فقرا.

كيف يمكن ذلك؟

لا يملك الفلسطينيون القول الفصل في التنمية الاقتصادية الخاصة بهم. فكل الموارد - الماء والأرض والتربة والأملاح والفضاء والبشر - تسيطر عليه وتتحكم فيه إسرائيل التي قررت حينئذ أن تعيد بيع جزء صغير لنا. ففي الضفة الغربية على سبيل المثال، يستهلك المستوطنون الإسرائيليون من المياه 4.3 ضعف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني. وفي وادي الأردن وحده يستهلك 9.000 مستوطن في مستوطنة زراعية وحدها ربع ما يستهلكه السكان الفلسطينيون في الضفة الغربية وحدها والبالغ عددهم 2.5 مليون نسمة.

لا يملك الفلسطينيون السيطرة على حدودهم، وهذا يعني أننا لا نستطيع الاستيراد والتصدير دون الخضوع إلى التدابير التعسفية التي يمليها علينا المحتل. وهي تعني أيضا أنه من دون تصريح إسرائيلي، لا يمكننا جلب الخبراء لتطوير قدرات موظفينا أو إرسال موظفينا إلى الخارج للتدريب.

الأسوأ من ذلك، أننا محصورون ضمن مناطقنا - ظاهريا - تحت «سيطرتنا». هناك طوال الوقت أكثر من 500 نقطة تفتيش وحاجز إسرائيلي وعوائق تفتيش أخرى للحركة داخل الضفة الغربية المحتلة تمنع الفلسطينيين وبضائعهم من الانتقال بين مدنهم وبلداتهم والعالم الخارجي.

تعاني التنمية الفلسطينية في كل القطاعات عوائق شديدة من قبل الاحتلال الإسرائيلي. لكن الفلسطينيين لم يستسلموا. يعاني الفلسطينيون من أعلى معدل للأمية في العالم العربي. ومازال شبابنا يتخرج في الجامعات ويفتتح الشركات ويكتسب المهارات. ويعمل قطاعنا الخاص على الابتكار والنمو.

كل ذلك يحدث في 22 في المائة من فلسطين التاريخية التي هي الضفة الغربية وغزة الآن. إذا كان رومني يتمتع بأي منظور تاريخي، سيتخلي عن أحكامه العنصرية حول الثقافة الفلسطينية، وأن يتخيل بدلا من ذلك إمكاناتنا دون عوائق تفرضها إسرائيل.

* رجل أعمال فلسطيني ومؤسس شركة المشروبات الوطنية الفلسطينية

* خدمة «واشنطن بوست»