تجديد

TT

هل هناك حقا معركة رئاسية في الولايات المتحدة؟ اختصر توماس فريدمان الصورة بالقول إن «حملة ميت رومني هي حول لا شيء، وحملة باراك أوباما هي حول ميت رومني». إذن، ما الفائدة في أن يتابعها صحافي عربي؟ أعترف مرة أخرى أنها لا تعني لي شيئا. بعد مجيء باراك أوباما شعرت أنه أصبح لنا صديق في البيت الأبيض، وتمنيت على الذين ليس لديهم موضوع جدي يكتبونه، أن يمهلوه فرصة عامين قبل أن يكرروا ما كررناه منذ 50 عاما.

أرجو إعطاءه عامين آخرين بعد فوزه. ومن بعدها، كلما افتقرتم إلى موضوع (وأنا أيضا) اكتبوا لنا كيف صدق حدسكم وتحقق تحليلكم ومعرفتكم المذهلة في شؤون أميركا. حتى الآن، السيد باراك، خيبة أمل صغرى لا فظاعة. محاولات فاشلة ولكن صادقة. تحدى كل الأميركيين والإسرائيليين لكي يرسل إلينا جورج ميتشل و«دمائه العربية» في الموضوع الفلسطيني. وطار إلى القاهرة ليخاطب العالم العربي بادئا بـ«السلام عليكم» على الرغم من معرفته بأن 17 في المائة من الأميركيين لا يصدقون أنه تخلى عن إسلامه.

لا نعرف إذا كان سيفعل شيئا في الولاية الثانية. لا نعرف. العالم يتحرك في الرمل وهذه أميركا وهو رئيسها. ما نعرفه أن الرجل لم يغير لونه ولم يغير تكونه الحضاري، ومن معرفته بمصلحة أميركا سحبها من العراق وقرر سحبها من أفغانستان. وخفف التزاماتها العسكرية في كل مكان. وحاول - دون نجاح - إقناع الروس بتسوية في سوريا.

بصفته رئيسا هو القائد الأعلى للقوات المسلحة. لكنه بهذه الصفة لا يستطيع القيام بانقلاب يغلق فيه مجلس الشيوخ ويعطل مجلس النواب، أو يأمر هوليوود «بتغيير سياستها حيال العرب» كما طالب أحد السياسيين اللبنانيين، من النوع الجديد. لماذا؟ لأنه يعرف أن هوليوود - منذ قيامها - مجموعة استوديوهات غير تابعة للبيت الأبيض، ولأن أشهر وجوهها، والت ديزني، عمل مخبرا عند «إف بي آي» خلال الحرب، لم يستطع الخلاص من تلك الوصمة حتى هذه اللحظة.

باراك أوباما هو أفضل ما حدث لنا في أميركا حتى الآن، وليس أفضل ما يمكن أن يحدث. جاءنا من تلقاء نفسه في لحظة تغيرت فيها طباع أميركا. لم يحمله إلينا بائعو الأرانب الذين أقنعونا بأن في إمكانهم إنشاء لوبي عربي يواجه اللوبي الإسرائيلي.

صحتان على قلوبهم. عرفوا أننا سذج واستغلوا السذاجة حتى القعر و«هفوا» كل ما قدروا عليه من دولارات، وبعدها رفعوا أيديهم قائلين: نحاول ملكا أو نموت فنعذرا.

البلاغة تلعب دورا مهما، بين النصب وطيبة القلب. أعطينا النصابين وتركنا السعاة الصادقين في أوروبا وأميركا يموتون من الإفلاس والاستعطاء ودق الأبواب. ماتوا رعبا من شماتة إسرائيل.