لماذا أقال الرئيس مرسي مدير المخابرات المصرية؟

TT

بعد مضي 24 ساعة من الاعتداء على وحدة الحدود المصرية في سيناء - والتي راح ضحيتها 16 جنديا - قرر الرئيس مرسي إحالة اللواء محمد مراد موافي للتقاعد. وكان موافي قد تولى رئاسة المخابرات في العام الماضي، إثر تعيين مديرها السابق عمر سليمان نائبا للرئيس مبارك. ورغم أن قرار مرسي لم يعلن عن سبب قرار الإقالة، فقد جرى التلميح بأنه جاء نتيجة فشل جهاز المخابرات في الكشف عن هجوم سيناء قبل وقوعه. إلا أن هذا التفسير أثار العديد من التساؤلات، حيث سبق أن صرح اللواء موافي لوكالة «الأناضول» التركية بأن المخابرات كانت تعلم بخطة الهجوم وأنه - هو شخصيا - أبلغ الجهات المسؤولة عن توقعاته، لكنها قررت عدم اتخاذ أية إجراءات احتياطية لعدم تصورها إمكانية أن يقتل المسلم أخاه المسلم في رمضان. ولما كان مدير المخابرات يتبع الرئيس مباشرة، فلا بد أن البلاغ الذي تحدث عنه قد وصل إلى مؤسسة الرئاسة.

رأى بعض العسكريين أن إقالة موافي دون تحقيق ليست مبررة، حيث أنه أبلغ الرئاسة - التي يتبعها جهاز المخابرات بشكل مباشر - بالتفاصيل الكاملة عن هجمات سيناء قبل وقوعها، ولكن الرئاسة المسؤولة عن السلطة التنفيذية لم تقم بالعمل المطلوب لمواجهة هذه المخاطر. وأكد اللواء حسام سويلم الخبير العسكري الاستراتيجي أن جهاز المخابرات أبلغ مؤسسة الرئاسة بالمعلومات الكاملة بشأن أحداث مذبحة رفح قبل وقوعها.

وبدلا من التحقيق لمعرفة المسؤول الحقيقي عن تجاهل إنذارات المخابرات، قرر مرسي معاقبة الرجل الذي حذر الرئاسة من وقوع اعتداءات سيناء. وقال محمد جاد الله - مستشار مرسي للشؤون القانونية - إن موافي لم يخبر الرئيس بهذه التوقعات عندما التقى به يوم الثلاثاء 7 أغسطس (آب) - أي بعد وقوع الاعتداء - بينما كان موافي أبلغ الرئاسة قبل ذلك، عندما اعترض على قرار الرئيس بفتح معابر سيناء مع غزة لتوقعه حدوث الاعتداء من هذا الطريق. ومن المعروف أن مرسي قد وعد إسماعيل هنية بفتح المعابر في سيناء، وتقديم تسهيلات حقيقية لأهل القطاع رغم اعتراض المخابرات.

ورغم أن هنية قد صرح فور دخوله الأراضي المصرية من رفح في 25 يوليو (تموز)، بأن حماس هي التي ستحمي سيناء، إلا أنه وبعد 12 يوما من تصريحه، تسربت مجموعة مسلحة من غزة عن طريق الأنفاق لتهاجم حراس نقطة الحدود مع إسرائيل، وتستولي على مدرعتين للجيش المصري تستخدمهما في مهاجمة الأراضي الإسرائيلية عبر البوابة الرسمية التي تفصل بين مصر وإسرائيل.

وقد نشرت جريدة «الأهرام» تحليلا للخبير الاستراتيجي اللواء محمود خلف، اتهم فيه إيران بتدبير الهجوم الذي قامت به مجموعة جاءت من غزة، التي تسيطر عليها حركة حماس والتي تشرف على الأنفاق. وهنا يتبادر سؤال ما إذا كان القصد إشعال الصراع العسكري بين مصر وإسرائيل في سيناء، من أجل تخفيف الضغط على نظام بشار الأسد في سوريا، وشغل إسرائيل عن ضرب المفاعلات النووية في إيران؟ فلو كان المهاجمون قد نجحوا في تنفيذ خطتهم بالاعتداء على نقطة الحدود الإسرائيلية وخطف بعض الجنود الإسرائيليين باستخدام مدرعات للجيش المصري دخلت عن طريق نقطة الحراسة المصرية، لأدى ذلك بالتأكيد إلى اتهام إسرائيل لمصر بالاعتداء عليها وبداية الصراع العسكري بين مصر وإسرائيل. كما قال اللواء خلف إنه شخصيا اعترض على استقبال الرئيس مرسي لخالد مشعل وإسماعيل هنية، من دون السماح بحضور أجهزة الأمن القومي لهذا اللقاء.

والغريب في الأمر أنه منذ اللحظة الأولى للاعتداء على وحدة الحدود المصرية - وحتى قبل التحقيق في الحادث ومعرفة مرتكبيه - أعلنت جماعة الإخوان المسلمين في القاهرة عدم مسؤولية حماس عما جرى. وفي غزة رفضت حكومة حماس قرار الجيش المصري بغلق معبر رفح، وطالبت حكومة الإخوان بإعادة فتحه فورا. ونشر موقع كتائب عز الدين القسام الإلكتروني خبرا يقول إن المخابرات المصرية طلبت من إسماعيل هنية - عبر محمود الزهار - تسليم ثلاثة من الناشطين العسكريين في كتائب عز الدين القسام فورا، لاتهامهم بالمساهمة في عملية مجزرة رفح. لكن الثلاثة رفضوا تسليم أنفسهم للسلطات المصرية، واشترطوا قيام المخابرات المصرية باستجوابهم داخل قطاع غزة.

السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: لماذا امتنع مرسي عن المشاركة في جنازة الجنود المصريين الذين اغتالتهم حماس، هل صار الرئيس يخشى شعب مصر بعد 39 يوما فقط من حلفه اليمين الدستورية في ميدان التحرير، دون حراسة. ولماذا أقال الرئيس مرسي مدير المخابرات المصرية؟ هل لأنه كشف عن عدم اتخاذ الرئاسة أية خطوات لحماية الحدود المصرية مع قطاع غزة رغم علمها مسبقا بخطة الهجوم الغادر على مصر؟ أم كانت الإقالة لأن موافي أبلغ الموساد - بحسب اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل - بخطة الهجوم على الحدود مما مكن إسرائيل من إفشاله؟ وهنا يثور سؤال آخر أكثر إلحاحا: هل كان الإخوان المسلمون في القاهرة يدرون منذ زيارة هنية للقاهرة بخطة الهجوم على الموقع العسكري في سيناء، بنية توريط مصر في صراع عسكري مع إسرائيل. وكما يقول البيت الشعري الذي راح مثلا:

إن كنت تدري فتلك مصيبة

وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم