أصوات على التصويت

TT

أثارت مقالتي «حق التصويت» ما كنت أرجو لها من ردود فعل وتعليقات. فالديمقراطية غريبة عنا وتقتضي معاينتها وتفحصها ومناقشتها طويلا وطوالا. أعرب البعض عن شكوكهم في أن التعليم يخلصنا من التخلف ويعطينا ناخبين ونوابا ناضجين. أشار علي حميد من فرنسا مثلا إلى دكتور كبير يرحل كل سنة من ألمانيا إلى العراق لمجرد أن يشارك في عزاء الحسين بكربلاء. ومن فرنسا أيضا احتجت ليلى يوسف على إشارتي باحتقار لعمشة وفاطمة الفلاحة واعتبرتها إشارة عنصرية ضد المرأة. أعتذر عن ذلك يا سيدتي. لقد استعملت اسميهما رموزا للتخلف والجهالة وكان استعمالا غير موفق. كان عليّ أن أشير لرجال متخلفين أيضا. الحقيقة أن هذه أمور نسبية. لا يضمن التعليم إعطاءنا عقولا ناضجة مائة في المائة، كما لا يفتقر الأميون إلى الحكمة والدراية بصورة حتمية. ما يمكن أن نقوله هو أن 70 في المائة من المتعلمين مثلا يفهمون البرنامج السياسي لحزب ما و20 في المائة منهم يقدرون نتائجه حق التقدير. ولكن 20 في المائة فقط من الأميين سيفهمون البرنامج و10 في المائة منهم فقط سيقدرون نتائجه. إنها مسألة نسبية تجعلنا نفضل أن نحصر حق التصويت في المتعلمين فقط.

تقول فاطمة الزهراء أيعني ذلك وشكوكي في الديمقراطية، أن نتخلى عن النظام الانتخابي؟ كلا يا سيدتي الفاضلة، لا أتصور إيماني بالديمقراطية وحكم الشعب يتضعضع ولكنني أضع المصلحة العامة، ومصلحة المسحوقين والمحرومين، فوق كل اعتبار. لا فائدة من الحصول على برلمانات عرجاء هزيلة تضيّع وقت الجمهور وأيضا ثروتهم الوطنية. أي علماني مثلي يفهم أن التجربة طريق المعرفة. وكل ما يصاحب هذا الفشل في العراق مثلا، هو محاولات وتجارب. والكل يسعون لتحسينها والتطور بها. وهو ما يفعله الغربيون أيضا. لا يمر يوم إلا وتراهم يعيدون النظر في ديمقراطياتهم ويفتشون عن عيوبها ومعالجتها. تخوض بريطانيا الآن معركة حامية بشأن إصلاح مجلس اللوردات. وفي العشرينات قامت سيدة أرستقراطية إنجليزية بعملية انتحارية رهيبة أمام الملك وهي تحمل شعار «حق التصويت للمرأة». فنالته المرأة الإنجليزية ولكن بعد 10 سنوات. ولكنني لست بشجاعة تلك المرأة لأرحل لبغداد وأقف في ساحة التحرير وأحرق نفسي أمام الملأ حاملا شعار «حق التصويت للمتعلمين فقط»

ظهر أن الفكر العربي قد انتقل لفرنسا اليوم. فمنها أيضا رفع صديقنا فؤاد محمد صوته احتجاجا على تعرضي لهذا الموضوع مرة ثانية، وهي الآن أصبحت مرة ثالثة، وفي المقالة القادمة ستصبح مرة رابعة. يا فؤاد الدين إنني تعلمت من المرأة هذا الشيء أيضا. فهي تحصل على ما تريد بالتكرار والإلحاح. ألا ترى؟ هكذا اكتسحت الكوكا كولا أسواق العالم، ولا سيما بعد أن أخذت قنانينها شكل جسم المرأة. ودنيا السياسة العربية لا تختلف كثيرا عن قناني الكوكا كولا. سأبقى أكرر وألح. اعطوا حق الانتخاب لمن يعرفون ما هو الانتخاب؟ لماذا ينتخبون؟ ومن ينتخبون؟.