أولمبياد لندن 2012: السعودية تضيف رصيدا جديدا

TT

احتفى الجميع بدورة لندن الأولمبية بوصفها «الدورة الذهبية»، حيث توحدت الأمم من جميع أنحاء العالم في الثناء على واحدة من أنجح الدورات الأولمبية في التاريخ، ووصف جاك روغ رئيس اللجنة الأولمبية الدولية المدينة بأنها «القلب النابض للعالم». ويأتي هذا الإطراء المدوي وسط آمال في أن تبلغ الدورة آفاقا جديدة بنهاية هذا الأسبوع، حيث يسير أولمبياد «لندن 2012» في طريقه إلى تسجيل أرقام قياسية من حيث عدد الحاضرين، فقد بلغ إجمالي عدد المتفرجين 7 ملايين متفرج في مختلف الأحداث والمسابقات الرياضية حتى توقيت كتابة هذه المقالة، أي قبل يوم واحد من إسدال الستار على فعاليات الدورة، بالإضافة إلى رقم قياسي آخر في المعدلات العالمية من المشاهدة عبر شاشات التلفزيون، كما أن استضافة الألعاب الأولمبية غيرت من مشاعر الناس تجاه بريطانيا، حيث أشاد الزوار بطعامنا ووسائل النقل العام لدينا.

والمملكة العربية السعودية هي الأخرى حظيت بسمعة كبيرة هذا الأسبوع، فقد تحققت خطوة هائلة إلى الأمام بتقديم جميع البلدان المتنافسة في أولمبياد «لندن 2012» للاعبة واحدة على الأقل، وأنا أبدي إعجابي الخاص بالسلطات السعودية التي أشركت لاعبتين في فريقها لأول مرة. كما أسعدني أن ألتقي بفريق الفروسية السعودي المكون من الأمير عبد الله بن متعب وكمال باحمدان ورمزي الدهامي وعبد الله الشربتلي، وأن أهنئهم على فوزهم بالميدالية البرونزية عن جدارة واستحقاق في مسابقة قفز الحواجز للفرق.

وقد تجلت مشاعر الصداقة التي تكنها بريطانيا تجاه السعودية من خلال الوقوف تقديرا للعداءة السعودية سارة العطار، وهي تنهي سباق 800 متر داخل الاستاد الأولمبي، وقالت سارة بعد السباق: «شرف لي أن أمثل السعودية، وأرجو أن يحدث هذا فارقا كبيرا. كانت فرصة استثنائية أن أمثل السعودية، فقد وجهوا إلي الدعوة ورحبوا بي، وكان اتخاذ الخطوة الأولى للمرأة هو أروع إحساس مررت به على الإطلاق».

وأكثر ما ترك أثرا في نفسي هو ذلك النبل الذي كانت سارة تنافس وتتصرف به، فقد كانت قدوة حقيقية للآخرين، وهي واحدة من ضمن عدد من لاعبات ألعاب القوى من الشرق الأوسط اللاتي نافسن في دورة لندن الأولمبية وهن يرتدين الحجاب، مثل القطرية نور حسين المالكي والعمانية شنونة صلاح الحبسي، وهذا في حد ذاته يعكس تقدما ملحوظا، كما يعكس اهتماما بتعليم وتثقيف المرأة في المملكة، فالرياضة والنشاط التجاري غالبا ما يسيران جنبا إلى جنب، لكننا أحيانا لا ننتبه إلى هذا.

وقد قام العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود العام الماضي بافتتاح أكبر جامعة في العالم للفتيات فقط، وهي «جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن»، التي تقع في إحدى ضواحي العاصمة الرياض، وتعد مشروعا طموحا تصل سعته إلى 50 ألف طالبة، وسوف يزيد من فرص المرأة في الالتحاق بتخصصات مثل العلوم وإدارة الأعمال، كما يحتوي على مستشفى جامعي ومعامل ومكتبات. وقد مرت 8 أعوام تقريبا منذ أن أصدر الملك عبد الله ذو العقلية الإصلاحية مرسوما يشجع المرأة على الالتحاق بوظائف في مجالات كانت في السابق مخصصة للرجال فقط، مثل المحاماة وإدارة الأعمال، وكان ذلك المرسوم واحدا من الإشارات الكثيرة التي أرسلها وتوحي بأن السعودية لا يمكن أن تتقدم اقتصاديا أو اجتماعيا من دون إعطاء المرأة مزيدا من القوة.

ونحن في بريطانيا ننظر إلى هذه التنمية الرياضية باعتبارها جزءا من جهد أوسع نطاقا يرمي إلى تنويع الاقتصاد السعودي وتقليل اعتماد البلاد الاقتصادي على النفط، ولتحقيق ذلك، فهناك حاجة إلى قوة عمل ماهرة. وقد بدأت بشائر هذا التقدم تظهر على السطح، ففي وقت سابق من العام الحالي، وقعت شركتي مذكرة تفاهم مع شركة خدمية محترفة في المملكة يتكون فريق العمل بها من سعوديات محترفات على قدر عال من التعليم، مما يبشر بالمستقبل المشرق الذي ينتظر المملكة.

ولطالما كانت السعودية وبريطانيا حليفتين قويتين، وما زال حجم وعمق العلاقة البريطانية السعودية في تزايد مستمر، ودائما ما كانت العلاقات البريطانية، ولا تزال، هامة بالنسبة لكلا الاقتصادين، حيث تعد المملكة أكبر شريك تجاري لبريطانيا في الشرق الأوسط، كما أن بريطانيا هي ثاني أكبر مستثمر أجنبي في السعودية بعد الولايات المتحدة. وهذا التعميق الذي حدث في تلك الصداقة بفضل أولمبياد «لندن 2012» سوف يصب في مصلحة التجارة، فبالنسبة لرجال الأعمال مثلي، تعد هذه أنباء جيدة من شأنها أن تشجع المزيد والمزيد من الشركات على التفكير في زيادة استثماراتها في المملكة.

والآن لننتقل إلى الأخبار الرئيسية الأخرى التي لدينا هذا الأسبوع. لم أتقبل ببساطة الأسلوب الذي جاء في التصريحات الصادرة عن «إدارة الخدمات المالية بولاية نيويورك»، حيث كانت لغتها غير مألوفة وغير مناسبة، في تناقض صارخ مع تصرفات السعودية، سارة العطار والحوارات التي أجريت معها واتسمت بالحماسة والتواضع والإيجابية والشمولية، في حين أن اللغة التي استخدمتها «إدارة الخدمات المالية بولاية نيويورك» تبدو أشبه بلغة طاغية لا يخدم سوى مصالحه.

وهناك تصعيد في المواجهة بين مصرف «ستاندرد تشارترد» و«إدارة الخدمات المالية بولاية نيويورك»، حيث بدأ المصرف في دراسة إمكانية رفع دعوى قضائية ضد الإدارة. ودعوني أضيف منظورا آخر إلى هذه الواقعة، فقد أصابني الذهول من اللغة التي استخدمتها الإدارة، والتي كانت غير مألوفة وغير مناسبة إلى حد كبير. وقد صرحت مصادر مطلعة على الموضوع لوكالة «رويترز» بأن المسؤول التنظيمي بولاية نيويورك، بنجامين لاوسكي، أثار غضب المسؤولين في واشنطن، سواء في وزارة الخزانة الأميركية أو في مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

وذكر لاوسكي، وهو أول رئيس لـ«إدارة الخدمات المالية» التي أنشئت حديثا، أنه سيتعين عليه أن يقوم بدورين متعارضين هما دور القائم على تفعيل القوانين ودور الداعم المالي. وأنا أرى يقينا أن هناك تعارضا مباشرا بين المصالح في هذه الدعوى القضائية التي رفعتها الجهات التنظيمية، وأن هذا التعارض يتم استغلاله. وقد أثار هذا الاتهام الأخير لمصرف بريطاني من قبل السلطات الأميركية غضب بعض الساسة في بريطانيا، الذين تحدثوا عن وجود «تحيز ضد بريطانيا» من وجهة نظرهم في واشنطن، وهو يهدف إلى إضعاف لندن بصفتها مركزا ماليا. فكتب عمدة لندن، بوريس جونسون: «لا يمكنك أن تمنع نفسك من التساؤل عما إذا كان كل هذا التضييق على مصارف بريطانيا ومصرفييها قد بدأ يتخذ شكل الحمائية.. التي تحركها جزئيا الغيرة من المركز المالي الذي تتمتع به لندن»، كما أشار إلى أن هذا الإجراء القضائي من جانب السلطة التنظيمية في نيويورك يتضمن «تعزيز مكانة نيويورك لتكون المركز المالي في العالم»، وسوف تعترض لندن بالطبع على ذلك الطرح الأخير.

كما انتقد محافظ بنك إنجلترا، سير ميرفين كينغ، الهيئة التنظيمية الأميركية لافتقارها إلى التعقل أثناء سير التحقيق. وصرح جون مان، وهو عضو في لجنة المالية بالبرلمان البريطاني: «أظن أن هذا جهد منسق تم تنظيمه على مستوى القمة في الحكومة الأميركية. وأعتقد أن واشنطن تحاول الفوز في معركة تجارية كي تستحوذ على التجارة من لندن وتحولها إلى نيويورك».

كما قال مسؤول بريطاني في واحدة من أكبر 25 شركة مساهمة في مصرف «ستاندرد تشارترد» إن السياسة تحرك المسؤولين الأميركيين، وعندما سؤل عما إذا كنا قد بدأنا نرى تحيزا ضد لندن في تصرفات السلطات التنظيمية الأميركية، رد المسؤول: «نعم. هل هناك أي شكل خفي من أشكال الحمائية يجري في القطاع المصرفي؟ نعم».

وبهذا الاستحضار لخطاب عاطفي من نوعية «المؤسسة المحتالة»، فإن المسؤول التنظيمي بولاية نيويورك أضر بسمعة المصرف وتسبب في تراجع أسعار أسهمه. ورغم أن هذا هو عام الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وهو دائما ما يخرج أسوأ ما في عالم السياسة الأميركي، فربما يتبين أن سمعة نيويورك هي التي تضررت.

وأحد الحلول الممكنة لذلك أن يتم في المستقبل إجراء المعاملات المالية من بلدان معينة بالجنيه الإسترليني أو باليورو بدلا من الدولار، وبهذه الطريقة لن تضطر هذه البلدان إلى الخضوع للإجراءات المتبعة في نيويورك، وسوف تكون أميركا هي الخاسرة.

وقد جاءت بريطانيا العظمى والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية ضمن أعلى 12 بلدا في مؤشر البنك الدولي لسهولة إتمام العمليات التجارية. إذن، هل أفضل ممارسة النشاط التجاري مع الولايات المتحدة أم السعودية؟

لقد ارتفعت سمعة السعودية كثيرا هذا الأسبوع في أولمبياد «لندن 2012»، والحماس المثقف الذي تمتلكه سارة العطار يتفوق كثيرا على الخطاب العدائي لبنجامين لاوسكي، لذا فسوف أفضل دوما ممارسة النشاط التجاري مع السعودية، وأنا واثق من أن كثيرين غيري سينحون المنحى نفسه.

* أستاذ زائر في «كلية إدارة الأعمال» بجامعة «لندن متروبوليتان» ورئيس مجلس إدارة شركة «ألترا كابيتال».