الجفاف يدق ناقوس الخطر

TT

من مكاني الذي أجلس فيه عند الطرف الشمالي من حزام الذرة الأميركي، يمكنني بالكاد أن أسمع الذرة وهي تتفتق إلى الجنوب مني، حيث يهدد الجفاف برفع أسعار الذرة عالميا عن المستوى الذي وصلت إليه عامي 2007 - 2008، حينما تفجرت مظاهرات الغذاء في جميع أنحاء العالم. إلا أن هذه الأزمات غالبا ما تؤدي إلى تغيير، والتغيير هو الشيء المطلوب لجعل نظامنا الغذائي أقل عرضة للخطر.

فقد أصبحنا في الإقليم الأوسط الشمالي الشرقي نركز بصورة خطرة على الذرة (وكذلك فول الصويا، الذي يزرع بالتناوب مع الذرة)، وهذه المحدودية في تنوع المحاصيل تحد من نظم التغذية التي نسير عليها، وتضعف التربة، وتزيد من انكشافنا أمام موجات الجفاف. وقد اعتاد المزارعون في السهول الوسطى على زراعة مجموعة أكثر تنوعا من الغذاء ومحاصيل العلف، مثل الشوفان والتبن ونبات الفصفصة وحبوب السورغم، إلا أنهم بدأوا يميلون تدريجيا إلى زراعة المزيد والمزيد من الذرة بفضل الدعم الزراعي الفيدرالي والتوسع الذي تشهده أسواق الذرة في طعام الحيوانات ودبس الذرة والإيثانول.

والميزة في الذرة هي أنها من أعلى المحاصيل إنتاجية في العالم، وهي ميزة تعاظمت بشكل كبير عبر سنوات من الأبحاث والتطوير، ومع الوقت، وجدت هذه السلعة الرخيصة والوفيرة استعمالات أكثر وشقت طريقها إلى مزيد من البلدان. وساعد رخص أسعار الذرة على انتشار دبس الذرة عالي الفركتوز، وهو مكون أصبح من المستحيل تقريبا تجنبه في نظام التغذية الأميركي اليوم، كما قلل المزارعون إنتاجهم من العلف من أجل حيواناتهم، حيث أصبحوا يعتمدون بشكل متزايد على شراء الأعلاف الرخيصة نسبيا التي تستخدم فيها الذرة. وعندما لم تستطع أسعار الذرة الرخيصة وحدها توفير فرص جديدة، شجعت السياسات والحصص التي اعتمدتها الحكومة على تطوير إنتاج وأسواق الإيثانول المستخلص من الذرة، إلى درجة أن أصبح 40 في المائة من محصول الذرة الآن يخصص لهذا الاستعمال. كذلك فقد دفعت فوائض أميركا من الذرة الأسعار في الأسواق العالمية إلى مستويات متدنية جدا، حتى أصبحت بلدان كثيرة تجد أنه من الأرخص استيراد الذرة بدلا من زراعتها.

ونقطة الضعف في الذرة هي أنها سريعة التأثر بالجفاف، فنظرا لأن الذرة من النباتات ذات التلقيح المفتوح، فإنها تمر بمرحلة حرجة مدتها 7 أيام (وتتفاوت هذه المرحلة عبر مناطق حزام الذرة على حسب توقيت الزراعة) تحتاج خلالها بشدة إلى ما يكفي من الأمطار كي تتبادل الإخصاب بنجاح مع نباتات الذرة الأخرى. وفي ظل الجفاف الذي حدث هذا الصيف، والذي يعد الأسوأ منذ خمسينيات القرن العشرين، فلم يكن من المستغرب أن يتعرض محصول الذرة لخسارة كبيرة، حيث تشير معظم التقديرات إلى أن نحو ربع المحصول فقط بحالة جيدة.

والمشكلة ليست في الجفاف بقدر ما هي في اعتمادنا المفرط على هذا المحصول بمفرده، ففي ظل التنبؤات بزيادة تكرار حالات الجفاف نتيجة التغيرات المناخية العالمية، يجب علينا أن نعيد التفكير في نظام الأغذية الزراعية المكشوف بشكل متزايد لدينا. وهكذا، فإن الضربة التي تعرض لها محصول الذرة قد لا تكون أمرا سيئا إلى هذا الحد إذا كان من نتيجتها خلق حافز من أجل التغيير.

وأهم الأسباب وراء اعتمادنا المفرط على الذرة هو البرنامج الفيدرالي لدعم المزارع، وعلى الرغم من أن الدعم في حد ذاته ليس شيئا سيئا، فإنه يصبح مشكلة إذا لم يترك أمام المزارعين أي اختيار سوى التركيز على قلة قليلة من المحاصيل. وينظر الكونغرس حاليا مشروع قانون مقترح بخصوص المزارع من الممكن أن يحقق بعض التقدم عن طريق إنهاء الدعم المباشر للمزارعين فيما يتعلق بسلع معينة (وأهمها الذرة) لصالح زيادة التأمين على المحاصيل. وحتى في ظل ذلك التغيير الجوهري، فإن اعتماد حد أدنى للأسعار (يحصل المزارعون بعده على الدعم المادي من الحكومة) ووضع برنامج تأميني أقوى بالنسبة لسلع معينة سوف يعني أيضا أن المزارعين في الإقليم الأوسط الشمالي الشرقي سيظل تركيزهم منصبا بشكل ضيق على الذرة وفول الصويا.

وفي حين أن هذا النظام يحابي بوضوح تلك المصالح التي تستفيد من وجود عرض زائد عن الحاجة من الذرة الرخيصة (وهم بائعو الأسمدة والمبيدات، وزرائب الماشية، ومنتجو الأغذية والإيثانول)، فهو ليس مفيدا بالنسبة لدافعي الضرائب أو لنظامنا الغذائي أو للبيئة.

وربما يكون المنهج الأفضل هو تقديم دعم أقل نوعا ما يقوم على حد أدنى من الأسعار إلى قطاع أوسع بكثير من المحاصيل، وتوفير حوافز للمزارع التي تهتم بالتنويع في المحاصيل وتربية المواشي، عن طريق تقديم دعم مالي مباشر يرتبط بإنتاج العلف الذي يستخدم في المزرعة. كما نحتاج أيضا إلى برنامج تأمين على المحاصيل يراعي التغيرات المناخية، فالتأمين ينبغي أن يكون للخطر العرضي، وليس لخطر يحدث بصورة أكثر اطرادا. فعلى سبيل المثال، مع اقتراب مناخ ولاية مينيسوتا أكثر فأكثر من مناخ ولاية كنساس (كما تتنبأ بعض نماذج التغيرات المناخية)، فإن خطط التأمين ينبغي أن تشجع على انتهاج استراتيجيات زراعية أكثر تحملا للجفاف.

كذلك يجب تخفيف وتيرة الترويج الذي لا يهدأ للإيثانول المستخلص من الذرة نتيجة الحصص المعتمدة في الولايات وكذلك المعونات الفيدرالية، ومما كان يلقي دائما بظلال من الشك حول الدفاع عن هذه البرامج أن الطاقة التي يحتوي عليها غالون واحد من الإيثانول المستخلص من الذرة لا تزيد سوى بقدر طفيف عن الطاقة المطلوبة لإنتاجه، في حين أن استخدام عشب الثمام العصوي أو قصب السكر لإنتاج الإيثانول يبدو أكثر منطقية من الناحية البيئية، ومن الممكن أن يقلل من التعارض المحتوم في الحاجة إلى الذرة ما بين الطاقة والغذاء.

وعلى المستوى الدولي، نحتاج إلى إعادة التوازن إلى النظام الغذائي، بالانتقال من الاعتماد على قلة قليلة من كبار المنتجين وأعداد كبيرة من المستوردين إلى مزيج لا مركزي بدرجة أكبر. وتواجه معظم البلدان مشكلة في الانكشاف المزدوج أمام حساسية أسواق الغذاء العالمية وتقلبات الطقس التي تؤثر على الإنتاج المحلي، ويقتضي حسن إدارة المخاطر تشجيع الإنتاج المحلي وكذلك التجارة المحلية على إدارة هذا الانكشاف أمام التقلبات الحتمية.

ولا يلزم أن تكون هذه التغيرات ضارة باقتصاد أميركا الزراعي أو بمزارعينا، فقد نقلل إنتاجنا من الذرة ثم لا نرى نفس الطفرات التي يزداد فيها الإنتاج وترتفع الأسعار، لكننا أيضا لن نواجه نفس التراجعات المدمرة عندما يحدث جفاف أو تنخفض الأسعار، فإنتاج محاصيل أكثر تنوعا يعني وجود مزارع قادرة على الاستمرار، وطرق تغذية أكثر ملاءمة للصحة، ونظام غذائي أكثر استقرارا.

* أستاذ جغرافيا في «كلية مكاليستر»، ومؤلف الكتاب المقبل: «مقدمة في جغرافية البيئة الإنسانية: الديناميكيات المحلية والعمليات العالمية».

* خدمة «نيويورك تايمز»