مع كامل الاحترام والتقدير لقادة العالم الإسلامي.. الفتنة ليست قدرا

TT

أولا وقبل كل شيء نحمد الله العلي العظيم إذ وفقكم للالتقاء في رحاب بيته العتيق وفي ليال عظيم فضلها كبير قدرها.. ونرجوه - سبحانه وتعالى - أن يعينكم على خدمة أمتكم بما يرضيه جل جلاله..

أيها الزعماء والقادة الكرام: ليس بنا حاجة لأن نذكركم بأنكم تلتقون في لحظة فاصلة وفارقة في تاريخ أمتكم.. لحظة تطل فيها الفتنة بكل شرورها ومآسيها وقد تهيأت لها كل عناصر النجاح.. ونحن أيها القادة الكرام لا نود أن نحملكم مسؤولية إطلالتها لوحدكم، فالكثيرون منا نحن المواطنين يتحملون وزر النفخ في نيرانها والدعوة لها عارفين قاصدين أو غير عارفين قاصدين.. النتيجة - لا قدر الله - واحدة.. هل فات الوقت لمثل هذا الحديث؟؟ وهل تحرك قطار الفتنة؟ أم أن هناك فسحة من أمل.. نصدقكم القول إذ نقول إننا لا نعرف، لكننا نتمنى من المولى أن يكون هناك بقية من فسحة يمكن للعقلاء والخيرين استثمارها فيما يرضي وجه الله ويحفظ الدماء والأرواح والأعراض..

لن نطيل عليكم في شرح أسباب الفتنة أو نذرها ولن نسترسل في حديث لا طائل منه عمن هو المسؤول عنها، فهذا حديث قد يزيد أوارها.. لكننا نريد أن نقول لكم إن نتائج هذا اللقاء ستكون هي اللحظة التي يمكن للأمة أن تحكم من خلالها عليكم وعلى مستقبلها.. وبدلا من الاسترسال في حديث يطول عن الفتنة وأسبابها ونذرها فإننا نود أن نقول إن موجبات التفاؤل لم تتلاشَ بشكل نهائي بعد.. انظروا أيها السادة إلى العالم من حولكم وقد نسي الخلافات المذهبية والعرقية وانطلق في سباق مذهل نحو آفاق رحبة يتناغم فيها الإنجاز العلمي والحضاري مع روح التسامح والتعايش.. بل لماذا نذهب بعيدا في هذا الحديث وبينكم زملاء وإخوة يرأسون بلدانا مثل تركيا وماليزيا هي اليوم مضرب المثل على ما يمكن لإعلاء قيم الحوار والتسامح والعمل الصادق أن تحققه.. نحن إذن لسنا حالمين عندما نقول إن الأمل لم يفقد بشكل قاطع ونهائي.. ولسنا بدعا بين الأمم كما يدعي البعض، لكن مشكلتنا تكمن في أن بعض تجمعاتنا لم تتمكن من التصدي بشكل ناجح وناجز للمتطرفين ودعاة الفتنة فأصبحنا قاب قوسين أو أدنى من حالة قد تأكل الأخضر واليابس وتحيلنا عقودا كثيرة إلى الوراء..

ونرجو أن لا نكون قد تجاوزنا إذا قلنا إن الفجوة التنموية بيننا وبين أمم الأرض تتسع.. وليس لصالحنا..

ويكفي أن نسوق مثلا بسيطا ففي كل خمس عشرة ثانية يموت طفل في هذا العالم بسبب العطش وما يلازمه من نقص في الغذاء وتردٍ في الخدمات الصحية.. ولا نتجاوز إذا قلنا إن نسبة كبيرة من هؤلاء الأطفال هم من المسلمين.. فكيف إذا سمحنا أو شاركنا في إذكاء نار الفتنة وتكالبت على أمتنا مشكلات الفقر والجوع والعطش والتخلف.. من سيكون المسؤول إذن؟؟ بكل تأكيد نحن جميعا (شعوبا وقادة) مسؤولون أمام الله والتاريخ.. ولا نستثني أحدا..

أيها القادة الكرام:

نتضرع إلى المولى - جلت قدرته - أن يلهمكم المخرج من هذا المأزق وأن يقودكم إلى ما فيه صلاح أمتكم وخيرها.. واسمحوا لنا في هذه المناسبة التي جمعتكم وفي هذه الليالي التي تتعطر بالنفحات الرحمانية وبين جنبات بيت الله العتيق أن نضع بين أيديكم بعض المقترحات البسيطة..

أولا: نتطلع إلى توقيع جميع الحاضرين والتزامهم بأن يسعوا بكل ما أوتوا من حكمة وقوة على تفادي الفتنة والسعي لنزع فتيل الخلاف وإطفاء نار التعصب والتطرف مع الاتفاق على كل ما يستلزمه ذلك العهد والوعد من قرارات تسكت الأصوات والمنابر التي ترعى هذا التطرف وتهيئ له الأدوات والوسائل..

ثانيا: نتأمل أن ينبثق عن هذا اللقاء تشكيل مجموعة من الحكماء الذين تشهد لهم كل عناصر الأمة بالصلاح وحسن الرأي والغيرة ويحظون بالقبول ليتمكنوا من المبادرة أولا إلى اقتراح الحلول وليشكلوا المرجعية في التعامل مع الأزمات وحلها قبل أن تتفاقم وتستعصي على الحل..

ثالثا: نتطلع إلى قرار جماعي يلغي حالة القطيعة ويجعل من لقاءات القمة الإسلامية أمرا لا يجوز التخلف عنه أو التأخر عن تلبيته، فانعقاد المؤتمر بشكل استثنائي فقط هي من الأمور التي تجعل التفاهم أكثر صعوبة وأشد استعصاء..

أيها الزعماء والقادة الكرام:

قيل الكثير عن أن مشكلاتنا مبعثها ومصدرها تآمر الآخرين ودسائسهم.. وإلى جانب أن هذا يشكل استهانة بعقول حكماء وقادة الأمة فإنه يسلمنا إلى الشعور بأن الفتنة قدر لا مفر منه.. وهذا والله عين الخطأ.. فنحن قادرون - بعون الله وبحكمتكم وقيادتكم - أن نتخطى هذا المنعطف الخطير..

ولا يخالجنا شك أن التاريخ سيقول إن عبد الله بن عبد العزيز قد أبرأ ذمته إذ بذل كل جهد وأحسن اختيار المكان والزمان لهذا اللقاء. فلعل الله - سبحانه وتعالى - أن يكتب لكم ثواب التجاوب مع هذه الدعوة بما تستحقه من أريحية وحب للخير ورجاء في عفوه ورحمته لتعبر الأمة إلى بر الأمان..

إن من حق كل مسلم عليكم أن تسألوا أنفسكم هل أنتم جزء من المشكلة.. أم أن الحل سيكون - بإذن الله - على أيديكم..

مع صادق الدعوات بأن يوفقكم الله - سبحانه وتعالى - لما يحبه ويرضاه.. ولما يحقق آمال وطموحات أمتكم الإسلامية.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.