23 يوليو.. مشهد النهاية

TT

كثير من المفاجآت جاءت بها تطورات مصر السياسية بعد 25 يناير بما أدهش المحللين والمتابعين السياسيين الذين يضطرون كل مرة إلى مراجعة تحليلاتهم وتوقعاتهم. وكانت قمة دراما المفاجآت في الانتخابات الرئاسية بدءا بترشح عمر سليمان وخيرت الشاطر ثم خروجهما من السباق إلى النتيجة نفسها، والعلاقة بين المجلس العسكري والرئيس الجديد المنتخب، لكنها لم تكن النهاية كما ثبت الآن بالقرارات المفاجئة لمرسي الرئيس المدني، التي بدل فيها بسهولة القيادة العسكرية كلها.

كثيرون توقعوا مواجهة بين الرئيس الجديد المقيد بإعلان دستوري مكمل يقيد صلاحياته ويجعل الدولة - عمليا - برأسين، والمجلس العسكري الرأس الآخر. لكن أحدا لم يتوقع أن تكون التطورات بهذه السرعة، لذلك جاءت قرارات الرئيس مرسي التي أجرى فيها تبديلات واسعة في قيادة الجيش، بما في ذلك وزير الدفاع ورئيس الأركان وقادة الأسلحة، بالإضافة إلى إلغاء الإعلان الدستوري المكمل كمفاجأة أثارت التكهنات حول طبيعة ما حدث وسيناريوهات كثيرة طرحت فيها تساؤلات حول ما إذا كان ذلك انقلابا يحكم فيه الإخوان سيطرتهم على الدولة، أو أنه تنفيذ لاتفاق أطلق عليه البعض «الخروج الآمن»؟ وهل سيقبل الجيش ذلك إلى آخره؟ واعتبر البعض أن هذه هي النهاية الرسمية لنظام ثورة 23 يوليو التي أفرزت 4 رؤساء تعاقبوا على حكم مصر وكلهم قدموا من خلفيات عسكرية.

الشواهد وردود الأفعال والتصريحات الصادرة من مختلف الأطراف تدفع إلى ضرورة التحفظ على استخدام تعبير «مواجهة» أو «انقلاب»، فكما هو واضح فإن التغييرات التي حدثت في القيادة العسكرية وتحول صلاحيات المجلس العسكري، كما نص عليها الإعلان الدستوري المكمل إلى الرئاسة والرئيس جاءت بالتفاهم مع المجلس العسكري وقيادات الجيش خاصة من الجيل الأصغر عمرا، وحتى لو كان انقلابا فإن مرسي لم يكن يستطيع أن ينفذه وحده من دون التفاهم مع قيادات عسكرية راغبة في التغيير.

سوق الشائعات ستكون مزدهرة لأن طبيعة هذه التغييرات في دوائر الحكم عادة ما تكون مليئة بالأسرار، وهي كانت في قمة الازدهار منذ 25 يناير حتى الآن حول كل شيء بما فيها روايات التفاهم السري بين الإخوان والمجلس العسكري. ومن الذين التقطوا روايات سوق الشائعات الكاتب البريطاني روبرت فيسك قبل 6 أسابيع في مقاله بجريدة «الإندبندنت» بعد إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة عن رواية الثعلب في التحرير، والشائعات وما يصدق وما لا يصدق، لكن اللافت أنه أشار فيها إلى مدير المخابرات الحربية الذي أصبح الآن وزيرا للدفاع وضباطه الذين كانوا متعاطفين مع الثورة.

روايات وشائعات آخرها ما جرى تناقله أمس ونفته على الفور الرئاسة المصرية عن وضع وزير الدفاع السابق المشير طنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان تحت الإقامة الجبرية.. لكن قد يكون ما تناقلته وكالات الأنباء أمس عن أدمن (مسؤول) صفحة المجلس العسكري على شبكة الإنترنت يلخص الحكاية، خاصة ما ورد فيه عن أن تغيير القيادات أمر طبيعي وأنه تم تسليم الراية من جيل أكتوبر إلى الأبناء لمواصلة المشوار، وتوجيهه التحية إلى القادة الذين أحيلوا إلى التقاعد معتبرا أنهم في القلب والعين، والتأكيد على أن القوات المسلحة لم تكن يوما مصدر إزعاج لمصر وأنها لم تكن طامحة في سلطة.

جيل يسلم إلى جيل، هذا هو الخط العام الذي سيرسخ في ذهن المؤرخين مستقبلا والباقي تفاصيل، فقد حكم الرؤساء الأربعة السابقون بشرعيات مختلفة لكن كلها تستند إلى شرعية 23 يوليو، وإن كان كل واحد منهم حاول أن يوجد شرعيته الخاصة مثل السادات الذي رسخ شرعيته بانقلابه ضد مراكز القوى ثم تغيير السياسة إلى الانفتاح الاقتصادي، وجاء بمبارك من جيل أكتوبر، والآن جاءت شرعية جديدة خلفيتها إخوانية كما يبدو ولا ندري كيف ستتبلور، لكن المؤكد أنه مشهد النهاية لـ23 يوليو.