نأسف ونحن نقول إنه لقد تكاملت الأسباب غير المباشرة للحرب بين الحكومتين الاتحادية والكردستانية في العراق، وباتت تنتظر على عجل السبب المباشر، لكي تندلع، وما يترتب عليه من حرق للأخضر واليابس، وهذا السبب من السهل إنجازه، عود ثقاب، وتشتعل البلاد والعباد، فجيشا الحكومتين في منطقة «زمار» بالقرب من الحدود العراقية - السورية على مرمى حجر من بعضهما لا مرمى رصاص، وقد وصل الصراع إلى نقطة اللارجعة عن الحرب، فالعراقي يصر على السيطرة على الحدود، والكردستاني تنص أوامره على إطلاق النار على العراقي في حال تنفيذ إصراره. وفي أجواء تخندقهما ضد بعضهما، ثمة معركة منسية تشنها الحكومة العراقية على العرب السنة تشكى منها الأخير كالآتي:
1) ندد بيان لعشائر قضاء الضلوعية بمحافظة صلاح الدين باعتداءات ما سماها «قوات سوات» المرسلة من الحكومة العراقية، لقمع مواطنيه ونهب وسرقة أموال العشرات من سكانه ومداهمة دور عشرات آخرين وسط إهانات تقليدية كالضرب والاعتقال.. الخ حسب البيان المذكور.
2) تزامنا مع ذلك البيان، أصدرت عشائر 4 محافظات، ذات غالبية سنية عربية بيانا موحدا، استهجن إقدام الجيش العراقي على تنفيذ اعتداءات ذات محتوى طائفي على اللاجئين السوريين والعراقيين العائدين من سوريا، وكلاهما من السنة، كما ندد بتدخل الجيش في شؤون تلك المحافظات. وعلى ذكر اللاجئين السوريين، يلوح في الأفق بروز حالة «مجاهدين خلق» ثانية في العراق، فكلاهما لم يدرك اللجوء الخطأ في ظل حكومة موالية لإيران، وإلا، فلماذا لم تحصل اعتداءات على اللاجئين السوريين في بقية البلدان التي لجأوا إليها؟
3) مساء الـ30 من يوليو (تموز) الماضي طالعتنا قنوات إعلامية سنية، بمناشدة عوائل عربية في قضاء داقوق بجنوب كركوك، للبارزاني بالتدخل لحمايتها من بطش الجيش العراقي، وكيف أنه شد العشرات بأشجار النخيل لمدة 18 ساعة في أجواء من الحر الشديد، وإهانات طالت حتى النساء.
4) وحسب بيان لائتلاف «العراقية» فإن قوة خاصة قدمت من بغداد وأنزلت عقابا جماعيا بأهالي قرية العزيزية في قضاء الحويجة بكركوك أيضا لم يسلم منه حتى الأطفال.. الخ من الأمثلة.
وإذا كان هذا تصرف الجيش العراقي مع مواطنين تجمعه معهم القومية العربية، فكيف يكون تصرفه مع الكرد في حال استيلائه على المناطق المتنازع عليها مع حكومة كردستان؟
وفي خضم هذه الأحداث وما يزال، ثمة سعي محموم لبغداد نحو تسليح جيشها بأسلحة ثقيلة، مقابل حرمان البيشمركة الكردية منها والتي تعتبر جزءا من المنظومة الدفاعية للجيش العراقي، وهي الأجدر بذلك السلاح نظرا لتعرض الإقليم الكردي إلى اعتداءات تركية باستمرار وأحيانا إيرانية أيضا. كما نجد منذ شهور، الحكومة العراقية ماضية بسرعة صاروخية - إن جاز التشبيه - باتجاه عسكرة المجتمع من خلال، تخصيص الجزء الأكبر من الميزانية العراقية للجيش وقوى الأمن الداخلي، وكخطوة أولى في هذا الاتجاه، أعلن عن تخصيص 24 في المائة من مجموع 40 في المائة من الميزانية لوزارتي الدفاع والداخلية، فالعمل على إعادة الضباط السابقين للخدمة في الجيش، وبهذا فإن عدد أفراد الجيش سيتجاوز المليون بكثير. علاوة على ما ذكرنا، يتواصل إحداث صنوف من الأسلحة مثل «عمليات دجلة». وأوحى لقاء تم مؤخرا بين المالكي ورموز عشائرية كردية بعزم بغداد إعادة «أفواج الدفاع الوطني» الكردية - أو «الجاش» حسب التسمية الكردية لها - لمهاجمة حكومة كردستان.
ما تقدم يسقط ذرائع بغداد، من أن حشدها العسكري، يهدف إلى حماية الاستقرار على الحدود مع سوريا، وقد أدارت ظهرها لحرب حقيقية حصيلتها العشرات من القتلى والجرحى يوميا في الكثير من المدن العراقية، وفي بعض من الأيام يكون عدد القتلى والجرحى وأشكال الدمار الأخرى فيها يفوق عدد القتلى والجرحى.. الخ في سوريا. دع جانبا القول إن الاستقرار مستتب في المناطق الحدودية، لن يعكر صفوه سوى الحشد العسكري العراقي هناك، وإذا نشب القتال - لا سمح الله - فإن الحرب لن تقتصر على البقعة الحدودية الضيقة بل تمتد إلى جميع المناطق المتنازع عليها وقد تتعداها إلى أخرى. ففي الساعات الأولى لوقوع الأزمة وضعت حكومة إقليم كردستان قواتها في حال إنذار في خانقين وكفري وكركوك والموصل ولن يكون طرفاها الحكومتين إنما العرب السنة كذلك؛ فقبل أيام وضع الجيش العراقي في حالة إنذار على أثر ورود أنباء عن مخطط لشن هجمات إرهابية على العاصمة العراقية، كما قيل، إلا أن الحقائق كشفت، أن الإنذار جاء بعد الوقوف على أنباء عن تواجد عزة الدوري أمين عام حزب البعث العراقي في المناطق القريبة جدا من العاصمة العراقية.
وتبقى الغاية من استقدام الجيش العراقي إلى الحدود متعددة الأوجه، لعل أبرزها حماية النظام السوري من سقوط محتوم، إذ لا يغيب عن البال، أن العراق أصبح - منذ أن أملي عليه التقارب مع سوريا بعد أن كانا متخاصمين جدا - طرفا في الحرب السورية إلى جانب كل من إيران وروسيا وحزب الله اللبناني. وليس أدل على ذلك، من تحفظه على قرار للجامعة العربية بشأن الوضع في سوريا، خارجا بذلك عن الإجماع العربي، مثلما روسيا خارجة عن الإجماع الدولي حول الشأن عينه، وبلغ التورط العراقي في الحرب السورية إلى مرتبة اعتزامه على استجواب سياسيين عراقيين يشك في تعاونهم مع الجيش السوري الحر. ولما كان الكرد العراقيون قد لعبوا دورا مفصليا في انتفاضة عام 1991 وفي عملية إسقاط النظام العراقي عام 2003، فإن الاعتقاد بأن الكرد السوريين قد يؤدون الدور نفسه، في إسقاط نظام الأسد، يدفع بالعراق نحو الاندفاع إلى المثلث الحدودي الكردي العراقي التركي السوري.
والأصبع على الزناد، وتفجر الموقف بات قاب قوسين أو أدنى، ولم تفلح الوساطة الأميركية في نزع فتيل الحرب بل عملت على إحداث حالة «اللاسلم واللاحرب» والتي تبقي الموقف مرشحا للتفجر. ولا ننسى أن الولايات المتحدة تتحمل القسط الأكبر مما يجري في العراق وما يقع فيه في المستقبل أيضا، إذ كان عليها التعامل مع العراق «الجديد» بعد خوضه لحربين دوليين وحروب داخلية مع الكرد، تعاملها والمجتمع الدولي مع ألمانيا واليابان، بعد الحرب العالمية الثانية، إن عدم إقدام الأميركيين على ذلك، لم يأت عفوا بل عن سابق تصميم وتعمد، وإلا فما معنى تزويدهم للعراق بالسلاح، والعراق عضو في جبهة إيران وسوريا وحزب الله التي تشبه جبهة دول المحور في الحرب العالمية الثانية؟
إن دقات طبول الحرب في العراق باتت قوية وتسمع بوضوح وسط صمت من المجتمع الدولي ودون بذل أي جهد لإسكاتها.
* كاتب سياسي عراقي