رسالة مكة المكرمة

TT

التأمت في مكة المكرمة قمة إسلامية مهمة، من حيث المكان والتوقيت، يحضرها ما يزيد على الخمسين دولة إسلامية وعربية لبّت دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في هذه الأيام الفضيلة للنظر في واقع العالم العربي والإسلامي.

تأتي القمة في وقت تشهد فيه بعض من الدول العربية، والإسلامية، أحداثا كارثية، وخير مثال ما يحدث في سوريا من أعمال إجرامية ترتكب على يد نظام الأسد بحق الشعب السوري، ناهيك بمصائب أخرى تقع بحق بعض من المسلمين في مناطق مختلفة من العالم حيث التطهير العرقي، وخلافه. أهمية قمة مكة تكمن اليوم في أن العالم العربي، والإسلامي، بات أمام حقيقة مؤسفة حاول كثر تفادي مواجهتها، ومنذ زمان بعيد، وهي ضرورة مواجهة الذات، والاعتراف بالأخطاء، ووجوب إصلاح الأوضاع لكي لا تتفاقم أكثر. فبالأمس كان انتقاد الأوضاع العربية والإسلامية عملا غير محمود يوصم فاعله بالتخاذل، حيث كانت قوى كثيرة تحذر من «جلد الذات»، بينما وصلنا اليوم لقتل الذات، وأصبح الانتقاد مهنة، والثورية تحولت لبطاقة تعريف، وأصبح بعض «الإسلاميين» دعاة للحرية والديمقراطية، وبعضهم كان قبل أعوام بسيطة يدافع عن «القاعدة»، وطالبان، و«الجهاد» بالعراق!

قمة مكة تأتي ومنطقتنا، تحديدا، تعاني من طائفية بغيضة هي من صنيعة بعض دول المنطقة، وعلى رأسها إيران، وأعوانها من الأسد، وحزب الله، وكل المحسوبين على طهران في منطقتنا التي كانت تعرف التعايش السلمي لكل الأقليات، إلا أن الطائفية أصبحت الآن سلاحا سياسيا، وورقة لتعزيز النفوذ، ولذا فلا بد أن يواجه العرب والمسلمون مشكلاتهم، وأزماتهم بأنفسهم؛ وذلك من خلال التساؤل الجاد: إلى أين نسير؟ وهل نريد بناء أوطان، ومجتمعات، تحترم حق التعايش، وتصون الدماء؟ ولماذا لم نتعلم أن الإقصاء، والتخوين، ودفن الرؤوس في الرمال.. لن يقودنا إلا إلى مزيد من التدهور؟ فإلقاء اللوم على الغرب ليس مجديا، فنظام الأسد، مثلا، ليس صنيعة الغرب، بل هو صنيعة عقود من التهاون، وسياسات أنصاف الحلول! فالحقيقة المرة أنه مثل ما أن بيننا، عربيا وإسلاميا، تجارب ونماذج سعت للبناء، والسلم، فإن بيننا أيضا نماذج كرست للتخلف، والجهل، وتحقير الإنسان؛ وأبرز مثال النظام الأسدي، الأب والابن، فهل هذا ما نريده لمنطقتنا، وأبنائها؟ وهل يقبل المسلمون قاطبة أن يكون الانقسام الطائفي، والإقصاء، أمرا لا يوصم به اليوم إلا هم؟ أسئلة كثيرة تبحث عن أجوبة فعلية، وليس بيانات، ووعودا، فواقع أمتنا محزن، والدليل هجرة العقول، وتردي التعليم، وتلاشي ثقافة حق العيش المشترك واحترام الاختلاف.

ومن هنا، ولأجل كل ما سبق، تعتبر قمة التضامن الإسلامي بمكة، التي دعا إليها الملك عبد الله بن عبد العزيز، مهمة؛ فالمسلمون اليوم في أمس الحاجة لمواجهة مع الذات، فبدلا من أن نكرر، مثلا، الشعارات البالية حول فلسطين، فإن علينا التساؤل: إلى متى الانقسام الفلسطيني؟ وهكذا.

صحيح أن قمة لا يمكن أن تصنع كل شيء، لكن أهميتها تكمن في أن يوضع العرب والمسلمون أمام الصعوبات التي تواجههم، وهذا أمر مهم بحد ذاته.

[email protected]