الاختلاف «يفسد» للود قضية!

TT

«ليس العجيب أن يختلف الناس في أذواقهم وميولهم، ولكن العجب.. أن يتخاصموا من أجل هذا الاختلاف». هذه العبارة الجميلة قالها أستاذ علم الاجتماع العراقي الراحل د. علي الوردي، وما زالت تصور لنا كيف يخلط الناس في زماننا بين الاختلاف بالرأي وبين الخلاف أو المخاصمة بين الناس.

فكم من مشاجرة أو ملاسنة نشبت بين متحاورين ليس لسبب سوى أنهم لم يدركوا الفارق بين الخلاف والاختلاف، ولذا علمنا الاقتصاديون المصطلح الشهير «لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع»، أي لم تجد المنتجات من يشتريها. وكذلك الحال في الآراء، لولا تنوعها لأصبحت الحياة رتيبة ومسخ منها الجمال، ولصارت كل المنازل والطرقات والمنتجات والخدمات متشابهة. إذن فتنوع الآراء مثل تعدد ألوان ما يسمى بـ«قوس قزح» تضفي رونقا جماليا عليه. والاختلاف في الآراء نعمة؛ لأنه يقوي الفكرة ويطورها، ذلك أن من يخالفنا في الرأي ينظر إلى المسألة من زاويا أخرى، كالناظرين إلى الهرم الكبير كل يراه من جهة من مختلفة وبشكل مختلف حسب قربه أو بعده منه.

ولذا فإنني أعجب من المسؤولين الذين لا يكترثون لآراء المختصين من حولهم ويتشبثون بفكرتهم، وإن جانبت الصواب، ولا يدركون أنهم في ذلك إنما يضعفون حجتهم ويمعنون في المكابرة التي هي سبب إشعال فتيل الخلافات الحوارية.

كما تجدر الإشارة إلى مسألة مهمة، وهي أن لا أحد يحتكر الحقيقة؛ فكل يجتهد في هذه الحياة، ولذا فإنه «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر»، وهناك «قاض في الجنة وقاضيان في النار». وقد أعجبني رد الإمام مالك، وهو من هو في زمانه، حينما اقترح عليه أبو جعفر المنصور، المعجب بشخصية الإمام وعلمه، أن يعمم كتابه «الموطأ» على الأمصار ويحملهم أو يجبرهم عليه. فقال الإمام مالك: «يا أمير المؤمنين، لا تفعل... فدع الناس وما هم عليه، وما اختار كل أهل بلد منهم لأنفسهم (من العلماء)». ويروى أيضا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه حينما أراد وضع حد لارتفاع المهور، فردت عليه إحدى الحاضرات بآية من القرآن الكريم فسكت ثم قالت، فقال قولته الشهيرة: «أصابت امرأة وأخطأ عمر... كل الناس أفقه من عمر»، وهذا من تواضعه الجم، ولذا قال الشاعر:

قل للذي يدعي علما ومعرفة

علمت شيئا وغابت عنك أشياء

ولو تدبر الإنسان قوله تعالى: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم» لأدرك أن الاختلاف سنة كونية، ولا تعني أن أقصي الآخر أو أن أدخل معه في معركة خلافية لأنتصر لنفسي أو أن أناصبه العداء والبغضاء، لا سيما أننا أمة أطلقت أجمل مقولة قرأتها عن أدب الاختلاف وهي عبارة «الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية»، وليس العكس كما هو شائع حاليا!

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]