وأيضا بلا مفكرين

TT

قلنا سابقا إن الربيع العربي خال من كاريزما الرجل الواحد، أو الأوحد، والحمد لله، ونسينا أن نضيف أنه لن يخلو من الحزب الواحد، وأن الحزب الواحد يؤدي، بطبيعة الأشياء وطبع الرجال، إلى رجل واحد في نهاية الأمر، يفكر عن الجميع، ويقضي في أمر الجميع، ومع الأيام يصير هو أيضا كاتب الجميع.

جميع ثورات العالم صنعها كتاب ومفكرون، وحولها السلطويون إلى تأله واستبداد. الثورة الفرنسية سقتها أفكار روسو وفولتير ومونتسكيو، ووقعت في قبضة مريض دموي يدعى روبسبيير. لينين الشاب ثائر بإنسانيات تولستوي وبوشكين وعمالقة الروس ثم بـ«واقعيات» كارل ماركس، لكنه قرر أن يكون أعظم من الجميع، وأنه مواز لماركس، إن لم يكن متجاوزا له.

الحركات النضالية العربية الأولى كان لها مفكروها، لكن الضباط رموهم جانبا وقرروا أن يكونوا هم المفكرين وهم النياشين معا. عقدة الضابط العربي كانت المفكر العربي. جلس مكانه وأرسله إلى السجن أو المنفى أو الموت.

الربيع العربي، أو «هذا الشتاء الأسود» كما وصفه الدكتور عطاء الله مهاجراني - المفكر والمثقف والإنسان، نبت من دون الحاجة إلى مفكرين. أشعله بائع ثمار على غفلة منهم، فيما كانوا قد استكانوا إلى فكرة الأبد العربي الذي لا مكان فيه للتفكير والتأمل وأسئلة التطور. عندما طرح الليبي سؤالا واحدا بعد أربعين عاما، قال له سيده ومفكره ومولاه: أيها الجرذ الحشاش، سوف ألحق بك إلى زنقتك.

يعاتب قارئ كريم: منذ أشهر وأنت لا تكف عن الكتابة عنه، أين كنت عندما كان؟ يبدو يا عزيزي أنك بدأت قراءة هذه الزاوية منذ أشهر. أما الكف عن الكتابة فخيانة في حق مئات آلاف ضحاياه وضحاياهم من العرب. ويجب ألا نكف عن تذكير الشبان والأيتام ومرتعدي الفرائص ومرعوبي الفجر، بأن هناك حياة أفضل على هذه الأرض، أرض البشر.

الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يولد منتصب القامة. في هذه الأمة وحدها يحنى ظهره من كثرة الأحمال المرئية وغير المرئية، ويمضي حياته مجتمع العنق، مثل أحدب ابن الرومي، لكن خوفا لا خلقة. نحن نكتب للذين يؤمنون بأن الإنسان حر وله كرامة بشرية وله حياة يحياها، ونعتذر من الذين يريدون الدفاع عن موسعي السجون وحفاري القبور ومدمري الأوطان ومزعزعي الأمة.

يحزننا أن يكون هناك أناس يشبهون طغاة التنكيل وسارقي الحريات والأوطان. وسعداء لأنه ليس للربيع العربي مفكرون تسرق منهم دعواتهم. فإذا كانت الأنظمة الجديدة سوف تختار البطش والاستبداد فلتفعل ذلك بمعزل عن التأويل المستعار.