كيف ومتى تنتهي الحرب في سوريا.. إن انتهت من الأساس؟!

TT

يقول المثل الصيني «بداية الحكمة هي تسمية الأشياء بأسمائها»، والاسم الصحيح لما يحدث في سوريا منذ ما يزيد على العام هو حرب أهلية شاملة. سوريا الآن هي لبنان في السبعينيات، وهي أفغانستان أو الكونغو أو البلقان في التسعينيات. إنها العراق منذ 2005 إلى 2007، فهي لا تشهد تمردا، ولا ثورة، وهي ليست اليمن، وبالتأكيد ليست مصر ولا تونس. من المهم تقبل هذه الحقيقة البسيطة لأن الحروب الأهلية خاصة العرقية والطائفية مثل التي تعصف بسوريا حاليا توضح وتطلق العنان لقوى عتية تكبل كل ما يمكن أن يُتخذ ضدها. ولا يمكن وقف هذه القوى أو تجاهلها، بل يجب التعامل معها بشكل مباشر حتى يكون هناك فرصة لإنهاء الصراع. لذا كيف ينتهي هذا النوع من الحروب؟ إنه عادة ما يكون له واحدة من نهايتين. الأولى هي فوز أحد الطرفين بطريقة دموية، والثانية تدخل طرف ثالث يتمتع بالقوة الكافية لإطفاء نار القتال. وحتى تلتزم الولايات المتحدة إما بمساعدة طرف في مواجهة الطرف الآخر أو قيادة عملية عسكرية داخل سوريا، لن يحدث أي إجراء آخر نتخذه أي تغيير يُذكر. ويوضح تاريخ الحروب الأهلية ومحاولات منعها الأمور التي من الأرجح ستجدي نفعا والأمور التي سيكون مصيرها الفشل.

توقف عن مطاردة السراب:

وعلى رأس قائمة المبادرات، التي نادرا ما تنجح وحدها في إنهاء حرب أهلية، هو التفاوض على تسوية، فاحتمال نجاح هذا الأمر من دون قوة لفرضه أو لضمان الاتفاق ضئيل. لهذا كان من المرجح أن تبوء مهمة كوفي أنان كمبعوث للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية بالفشل، والآن بعد استقالة أنان، ينبغي أن تُنحى هذه المحاولة جانبا لأنها تشتت الانتباه. لهذا يعد تركيز إدارة أوباما على تأثير روسيا المفترض على النظام السوري وفكرة الحل وفقا للسيناريو اليمني الذي يتنحى فيه الأسد أمر غير منطقي. من غير المرجح أن يتنحى الأسد لأنه يعتقد مثل رادوفان كاراديتش، وصدام حسين، والعقيد معمر القذافي، والكثيرين قبله، أن خصومه سوف يقتلونه هو وأسرته إذا فعل ذلك، وهو على صواب في ذلك إلى حد كبير. حتى إذا غادر المنصب طواعية، سوف تكون استقالته أو هروبه من سوريا بلا معنى، فالأسد يقود الحرب، لكن من شنهّا هم العلويون والأقليات الأخرى الذين يعتقدون أنهم يقاتلون ليس فقط من أجل مناصبهم وامتيازاتهم في المجتمع السوري، بل من أجل بقائهم. في حال استقالة أو هروب الأسد، سيتولى منصبه على الأرجح زعيم علوي آخر يواصل القتال.

لا يعد التأكيد على أن أيام الأسد معدودة غير صحيح فحسب، بل غير ذي صلة. خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت منذ عام 1975 إلى عام 1991، كان هناك دائما رجل يجلس في قصر بعبدا يطلق على نفسه اسم الرئيس، وكان لديه قوة عسكرية تابعة له تسمى القوات المسلحة اللبنانية. في الحقيقة، لم يكن أكثر من أمير حرب مسيحي ماروني، ولم تكن القوات المسلحة اللبنانية سوى جماعة مسلحة من الموارنة، مع الاحتفاظ بالمسميات.

لذا ربما يظل الأسد صامدا لفترة، وربما يظل يطلق على نفسه الرئيس السوري. كذلك قد يكون قادرا على البقاء في دمشق المحاصرة تحت حماية تشكيل الجيش الذي لا يزال يطلق عليه القوات المسلحة السورية. مع ذلك لن يجعله ذلك إلا رئيسا لجماعة مسلحة من العلويين.

مخاطر اختيار الفائز:

إذا قررت الولايات المتحدة أن من مصلحتها إنهاء الحرب الأهلية السورية، يمكن لواشنطن أن تقرر مساعدة طرف على الفوز، وقد قمنا بذلك بالفعل. لم تطلب إدارة أوباما تخلي نظام الأسد عن السلطة فحسب، بل أيضا توضح عدة تقارير إعلامية أنها تقدم دعما سريا محدودا للمعارضة السورية. وبحسب هذه التقارير، لا تشمل المساعدات السلاح، وتساعد في التحقق من هوية المقاتلين وتقديم بعض الإرشادات الخاصة بالتخطيط.

ما لم تفعله واشنطن هو تقديم مساعدة للمعارضة تجعلها تسيطر في وقت قصير. المواجهة التي تشهدها سوريا حاليا هي مواجهة أسلحة مقابل عدد، فالنظام يمتلك عددا صغيرا من الدبابات والمدفعية والمروحيات الهجومية والأسلحة الثقيلة الأخرى التي تسمح له بالرد على المعارضة في أي مكان كانت. لذا في أي وقت تهدد المعارضة منطقة مهمة بالنسبة لنظام الأسد، مثل دمشق أو حلب، يستطيع إحباط الهجوم. مع ذلك أعداد المعارضة في تزايد، وهذا يتيح السيطرة على مساحات كبيرة من الأرض التي لا يهتم بها الأسد كثيرا. وبمرور الوقت، وخاصة إذا تم التضييق على المعدات البديلة وقطع الغيار المقبلة من إيران وروسيا، سيتقلص مخزون النظام من الأسلحة الثقيلة، ومع تحول الحرب إلى قتال مشاة خفيف بين الجانبين، ستبدأ أعداد المعارضة في إحداث تغيير. المشكلة هي أن مساعدة المعارضة على «الفوز» قد تنتهي بحالة أشبه بأفغانستان عام 2001. وربما ينتهي الحال بسيطرة قوى المعارضة على أكثر أجزاء البلد بما فيها دمشق، لكن ربما يتمركز العلويون وحلفاؤهم في الجبال ويواصلون القتال. وكما حدث في أفغانستان، حيث سيطر التحالف الشمالي على وادي بنجيشير لسنوات ضد قوة مهيمنة أخرى هي طالبان، ربما يستطيع العلويون السيطرة على الجبال وجعلها وطنهم على طول الساحل الغربي في سوريا لمدة طويلة.

هناك بدائل كثيرة، فالمعارضة السورية ممزقة وفي ظل الخلافات الداخلية للفصائل السياسية، والخلاف بين تلك الفصائل والقوات المقاتلة. وفي أفغانستان بعد مغادرة السوفيات البلاد عام 1989، كان موقف مشابه هو سبب نشوب حرب داخلية.

الجماعات الجهادية المختلفة يحارب بعضها بعضا حتى قبل سقوط نظام الرئيس نجيب الله الذي كان دمية السوفيات مما سمح للنظام بالبقاء حتى قمعت حركة طالبان أنصار نجيب الله والمجاهدين على حد سواء. القوة المهيمنة التي ربما تظهر في سوريا من صفوف المعارضة هي الإخوان المسلمون. يختلف تكوين جماعة الإخوان، التي ظلت تعاني لسنوات من قمع حزب البعث الذي يسيطر عليه العلويون، كثيرا عن تكوين الإخوان المسلمين الذين تولوا السلطة في مصر وتونس.

لكل هذه الأسباب، ربما يعني نصر المعارضة خلع نظام مستبد وحشي ليحل محله نظام مستبد آخر. وينبغي أن تتضمن أي مناقشة حول مساعدة الثوار ليسيطروا على البلاد كل هذه النقاط. مع ذلك إذا اختارت واشنطن التدخل، ستكون هناك طرق لتقليل هذه المخاطر، حيث يمكن لأميركا أن تبدأ بتقديم مساعدات عسكرية، خاصة الأسلحة المضادة للدبابات والأسلحة المضادة للطائرات الأكثر تقدما، من أجل المساعدة في استنزاف أسلحة النظام الثقيلة سريعا وتمكين المعارضة من السيطرة بخطى أسرع. الأهم من ذلك هو إمكانية بدء الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي تقديم تدريب عسكري للمقاتلين السوريين، فإذا زادت كفاءة القوات المعارضة ستتمكن من مواجهة وهزيمة قوات النظام. وسيساهم مثل هذا التدريب في الحد من التحزب والتشرذم داخل الجماعات المسلحة وفي تمتع المعارضة بمزيد من الالتزام الذي يمتد إلى ما بعد الحرب. كان البرنامج الأميركي لتنظيم وتدريب الجيش الكرواتي والبوسنيين المسلمين في منتصف التسعينيات ضروريا لكل من الانتصار العسكري في الحرب الأهلية في البوسنة ودعم الاستقرار بعد انتهاء القتال. فضلا عن ذلك، من أفضل الطرق التي تستطيع الولايات المتحدة من خلالها التأثير على العملية السياسية بعد الحرب الأهلية هي تعظيم دورها في بناء الجيش الذي يفوز بالحرب.

إنهاء حرب مقابل بناء أمة:

ومن الناحية التاريخية، يتمثل البديل الحقيقي الوحيد بالنسبة لأي قوة أجنبية تريد إنهاء حرب أهلية عن طريق اختيار الطرف الفائز في قمع الجماعات المتحاربة ثم بناء عملية سياسية مستقرة كي تحول دون مواصلة الحرب. وتعتبر الوسيلة العسكرية لإيقاف الحرب سهلة نسبيا، ما دامت الدولة التي ستقوم بالتدخل على استعداد لجلب ما يكفي من القوة واستخدام التكتيكات الصحيحة. أما الجزء الأصعب فهو التحلي بالصبر الكافي لبناء نظام سياسي جديد وفعال. يكشف وجود السوريين في لبنان وقوات الناتو في البوسنة والاستراليين في تيمور الشرقية والأميركيين في العراق عن الإمكانيات والمخاطر المتعلقة بهذا الأمر.

تعد هذه هي الطريقة الوحيدة لوضع حد للعنف من دون التسبب في حدوث أعمال قتل جماعية ضد الطرف الخاسر. يمكن أن تحول هذه الطريقة دون تفتت البلاد أو حتى اندلاع القتال بين الجماعات المنتصرة. وإذا تم تنفيذ هذه الطريقة بصورة صحيحة، فمن الممكن أيضا أن تمهد الطريق أمام بناء ديمقراطية حقيقية (مثلما بدأت الولايات المتحدة الأميركية القيام به في العراق قبل انسحابها في العام الماضي)، وهو الأمر الذي ينتج عنه المزيد من الاستقرار على المدى البعيد.

ولكن هذه الطريقة ليست رخيصة، حيث إنها تتطلب التزاما طويل المدى بتقديم المساعدات العسكرية والسياسية والاقتصادية، بينما يمكن التخفيف من أعباء هذه التكلفة في حالة حدوث تدخل متعدد الأطراف، كما كان الحال في البوسنة وكوسوفو، بدلا من بذل جهود كبيرة من جانب واحد على غرار عمليات إعادة الإعمار التي قامت بها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان. وفي حالة سوريا، فهذا يعني أن الولايات المتحدة لن تكون الدولة الوحيدة التي تتحمل التكلفة، فالدعم التركي والأوروبي والعربي سيكون مهما كذلك.

وفي الوقت الراهن، لا توجد هناك أي رغبة لدى الولايات المتحدة للتدخل في سوريا على غرار ما قامت به في البوسنة، وهذا أمر غير مفهوم. فعلى خلاف ما حدث في ليبيا، لم تكن الكوارث الإنسانية التي تتكشف تباعا في سوريا كافية لتحفيز الولايات المتحدة على التحرك. وعلاوة على ذلك، ليست هناك أي مصالح جوهرية كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة في سوريا، حيث إنها لا تمتلك احتياطيات نفطية كبيرة ولا تعد شريكا تجاريا رئيسيا ولا حليفا للولايات المتحدة ولم تكن يوما دولة ديمقراطية. لذا، فإذا احترقت سوريا برمتها، فقد يمثل ذلك مأساة بالنسبة للشعب السوري ولكنه سيعد أمرا عديم الأهمية بالنسبة للمصالح الأميركية.

ولكن الأمر الذي قد يمثل خطرا حقيقيا على المصالح الأميركية هو انتشار الحرب الأهلية السورية إلى بقية بلدان الشرق الأوسط. عادة ما تنتشر الحروب الأهلية عن طريق تدفق اللاجئين وانتشار الإرهاب ولجوء سكان دول الجوار إلى التطرف، فضلا عن تدخل وانتهازية القوى المجاورة، وسوريا لديها كل هذه السمات المميزة لحدوث وضع سيئ للغاية.

وفي أسوأ الحالات، فإن اندلاع حرب أهلية في أحد البلدان قد يسبب قيام حرب أهلية في بلد آخر، مما قد يؤدي إلى حدوث حرب إقليمية. تنتشر أعمال العنف الطائفية بالفعل في سوريا والعراق ولبنان، وجميعها دول هشة وعرضة لاندلاع حرب أهلية، حتى من دون أن تكون ناتجة عن عدوى مقبلة من دولة أخرى. تقوم تركيا وإيران بالعبث في سوريا، عن طريق مساندة الأطراف المختلفة ومطالبة الأطراف الأخرى بالتوقف عن القيام بالأمر نفسه. ربما يدفع انتشار الإرهاب أو زيادة نفوذ إيران حتى إسرائيل المترددة إلى الدخول في هذا الصراع - تماما كما دفع انتشار الإرهاب وزيادة الهيمنة السورية إلى دخول إسرائيل في الحرب الأهلية اللبنانية منذ أعوام كثيرة.

هذا هو ما ينبغي علينا مراقبته فعليا، حيث إن انتشار العنف قد يرغم واشنطن على التفكير في حلول حقيقية للصراع السوري بدلا من الانغماس في عروض جانبية تافهة. وإذا جاء هذا اليوم، فمن شبه المؤكد أن تنحصر خياراتنا بين اختيار الفائز أو قيادة تدخل متعدد الأطراف.

تشير التقديرات إلى أننا سوف نبدأ بالاحتمال الأول، فإذا فشل في تحقيق نتائج ملموسة فسوف نتحول إلى الاحتمال الأخير. ربما يبدو هذا أمرا بعيد المنال، ولكن يجدر بنا أن نتذكر أنه في عام 1991، لم يكن هناك أي شخص تقريبا في الولايات المتحدة يدعم تدخل متعدد الأطراف في البوسنة تقوده الولايات المتحدة، ولكن بحلول عام 1995، قامت الولايات المتحدة بهذا الأمر في ظل وجود إدارة ديمقراطية.

* زميل بارز في «مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط» في «معهد بروكينغز»، وهو مؤلف كتاب «الطريق للخروج من الصحراء: استراتيجية كبرى للولايات المتحدة في الشرق الأوسط».

* خدمة «واشنطن بوست»