رمضان

TT

ها هو شهر رمضان المعظم يطوي آخر أيامه ويستعد لإعلان الرحيل عنا، مع الدعاء منا بأن يجمعنا به على خير وأن يعيده علينا ودعاؤنا وأمانينا محققة. جاء وحل علينا هلال رمضان هذه المرة ودماء تسيل في سوريا بشكل مخيف، وتشريد ومجاعة وبؤس وجراح. جاء رمضان هذه السنة وآلام المسلمين في بورما هائلة ومخيفة جراء ما تعرضوا له من مذابح ومجازر مهولة أدت إلى مقتل الآلاف منهم. رمضان يأتي هذه السنة والاضطراب لا يزال سيد الموقف في العراق واليمن، مع استمرار حصول «الحوادث الكبرى» وسقوط أعداد ليست بالصغيرة من الضحايا. كل هذه الأحداث أدت إلى دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لمؤتمر التعاون الإسلامي بشكل استثنائي في مكة المكرمة، مقترحا فيه إطلاق حوار إسلامي مستمر بين الطوائف والمذاهب الإسلامية المختلفة يكون مقره المركز الدائم، العاصمة السعودية الرياض، لأجل تخفيف حدة الخلاف والاختلاف المذهبي والطائفي الشديد، وحتى لا يتحول ذلك الأمر إلى ذريعة للاقتتال والانقسام.

لكن رمضان يأتي هذا العام ببشائر وأمل ورسائل طمأنة لتونس ومصر وليبيا، وهي جميعا تنتقل بالتدريج نحو الاستقرار ووضوح الرؤية، وإلى عناصر تكوين مستقبل سياسي أكثر هدوءا. العالم الإسلامي، والعالم العربي فيه تحديدا، يمر بمرحلة مهمة من إعادة التكوين نتاج تطلعات أجياله الشابة التي تشكل الكتلة الرئيسية منه اليوم، وهي مسألة شديدة التأثير وفي غاية الأهمية. لكن رمضان هو «فرحة» سنوية لإعادة الوصل مع رب العالمين وتذكير النفس بربطها بقيم أخلاقية ودينية، فتنأى عن الظلم والفساد وتحرص على الحق والعدل، فالأمر الإلهي واضح وصريح حينما يقول «إن الله يأمر بالعدل والإحسان»، هذه هي القاعدة الأساسية لتكوين الإنسان والمجتمع، ومن دون تحقيقها سوف يكون الإنسان، ومجتمعه الذي يحيا فيه، هشا وضعيفا وبالتالي آيلا للفشل والتحطيم.

رمضان يعود ويرحل ونحن في حال التأمل والأمل، فهكذا جبل الإنسان، وكل الأمل أن يكون هذا الحال قادرا على التحول من خواطر إلى أفعال وأقوال مؤثرة وذات نتاج ملموس ومفيد لأكبر قدر من الخلائق حتى يعم الناس، لأن خير الناس أنفعهم للناس كما هو معروف. جميل أن يكون هذا الاندفاع للخير والعبادات وتنقية النفس وتهذيبها ومراجعتها خلال شهر رمضان، لكنه يمثل فترة محدودة وبسيطة في السنة، ومذهل حجم التناقض الذي تكون عليه معظم هذه المجتمعات بعد وقبل هذا الشهر الفضيل وكأنها شخصيات أخرى ولا علاقة لها البتة بما كانت هي نفسها عليه.

الغاية من رمضان تأكيد الممارسات الأصيلة التي استقرت في نفوس المسلم وتشديدها خلال الشهر الفضيل وليس عملها فقط بشكل مؤقت، وهذا يفسر تماما حال التناقض الذي تعيش فيه المجتمعات في جوانب المعاملات والأخلاقيات، مع عدم إغفال الاهتمام الواضح بأشكال العبادات. رمضان يرحل وفي النفس أمنيات ودعاء وحاجة نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحققها للجميع وأن يعيد الشهر الفضيل على الكل بخير وعدل وسلام.

وكل عام وأنتم بألف خير.. وإلى رمضان القادم ونحن جميعا في أحسن حال.

[email protected]