لماذا صعدت إيران؟.. لماذا غضب أردوغان؟

TT

حين يفجر رجب طيب أردوغان غضبه ويفرد قسما كبيرا من كلمته في حفل إفطار ينظمه حزبه للرد على الهجمات والاتهامات التي يوجهها صقور السياسة الإيرانية لتركيا «المتعاونة مع الرجعية والصهيونية» غير عابئ بإفطار آخر يقيمه وزير خارجيته في اليوم نفسه وعلى بعد مئات الأمتار فقط على شرف نظيره الإيراني - على الرغم من أن الأخير قال إن هذه التصريحات والمواقف لا تعبر عن رأي الحكومة - فهذا يعني أن العلاقات التركية - الإيرانية باتت على المحك وتحتاج إلى مراجعة جدية شكلا ومضمونا.

طهران وأنقرة تتمسكان بصلابة العلاقات وصعوبة اهتزازها بعد سنوات من التنسيق والتعاون والانفتاح وتبادل الخدمات، لكن المواقف والطروحات المتباعدة والمتضاربة حيال أكثر من ملف وقضية تقول عكس ذلك، وهي باتت تشير إلى مواجهة محتملة إذا لم يتم إزالة أسباب الخلاف، وهي في معظمها تتمحور حول الأزمة السورية وتفاعلاتها.

تذكير أردوغان للإيرانيين بالوقوف إلى جانبهم في الأيام الصعبة على الرغم من كل انتقادات الحلفاء والشركاء والجيران رافقه دعوته القيادة الإيرانية لمراجعة مواقفها وسياساتها وتحذيره من أن لعبة الصقور والحمائم في طهران لن تنطلي على الأتراك بعد الآن.

صالحي يحضر لبحث إمكانية التوسط التركي للإفراج عن المحتجزين الإيرانيين في سوريا، وسماع رأي حكومة العدالة والتنمية في جدول أعمال الاجتماع الذي أعدت له طهران حول الأزمة السورية، وجليلي وفيروزآبادي يتهمان باسم القيادة الدينية والحرس الثوري أنقرة بالانخراط في مشروع التآمر على المنطقة ودولها بإشراف أميركي - إسرائيلي.

طهران تريد الحصول عبر تركيا على ضمانات غربية أن مصالحها الإقليمية في سوريا ولبنان والعراق لن تتعرض للاهتزاز في حال تخلت عن النظام في دمشق، وحسين شيخ الإسلام وكاظم جلالي باسم البرلمان الإيراني يتحدثان عن اقتراب تركيا من السقوط في المصيدة التي تعد لسوريا.

حكومة أردوغان تردد على مسامع الإيرانيين أنها تجد صعوبة في انتزاع أي تعهد غربي يطمئن طهران والقيادة الإيرانية، وطهران متمسكة بفكرة المواجهة التي لا مفر منها مع الغرب ورفض التفاؤل التركي حول احتمالات حدوث الصفقة في اللحظة الأخيرة، وربما هذا هو سبب الغضب الإيراني المتزايد والحملة الأخيرة ضد أنقرة.

التصعيد الإيراني ضد أنقرة تجاوز الخطوة التركية الأخيرة باتجاه نشر مظلة الصواريخ باسم حلف شمال الأطلسي على الحدود المشتركة بين البلدين أو انزعاج طهران من اتفاقيات التعاون الاستراتيجي بين أنقرة ودول الخليج الذي وصل إلى مستوى الاندماج الأمني وإعلان تركيا أن أمن الخليج بات جزءا من أمنها الإقليمي.

أنقرة كما ترى إيران باتت تقود بشكل أو بآخر ليس فقط مشروع إبعاد طهران عن دمشق وحرمانها هذه الورقة الاستراتيجية، بل هي ستتسبب بتركها خارج أي طاولة حوار تعد لمناقشة مستقبل سوريا، وربما هذا هو السبب الآخر الذي دفع إيران إلى الرد مؤخرا بأن حدود أمنها الإقليمي تجاوزت سوريا ووصلت إلى السواحل اللبنانية نفسها.

أجواء زيارة وزيرة الخارجية الأميركية الخاطفة إلى تركيا وما أعقبها من مواقف وتصريحات ستتعامل معها طهران على أساس أنها الرد المشترك على توصيات لقاء طهران وتورط تركي مباشر في إفشاله.

قبل أيام وعلى هامش قضية احتجاز مجموعة من اللبنانيين في سوريا تحرك البعض للتهديد باللعب بورقة أتراك لبنان ضد أنقرة. الخطورة الحقيقية على مسار العلاقات التركية - الإيرانية ستكون عندما تبدأ القيادة الإيرانية بالحديث عن دور تركي في اختطاف العشرات من مواطنيها من قبل الثوار في سوريا، وهي التي تطالب أنقرة بالتوسط حتى الآن.

طهران ستكون أكثر صرامة وتشددا حيال حكومة العدالة والتنمية كلما زادت الضغوطات الإقليمية والدولية عليها، وآخر أسباب ذلك سيكون مضاعفات ملف الوزير اللبناني الأسبق ميشال سماحة ببعده الإقليمي، فارتدادات هذه القضية لن تطال النظام السوري وحده، بل هي ستستهدف المحور السوري - الإيراني وامتداداته في لبنان، وتحديدا عندما سيحاول البعض التصدي لمحاولات إخراج القضية من إطارها المحلي ودمجها بملفات إقليمية ودولية تتعلق باستهداف أمن لبنان وسيادته.