عرب ما بعد الثورات!

TT

نحن نفهم بشكل خاطئ تماما مرحلة ما بعد الثورة في عالمنا العربي.

الثورة تهدف إلى تغيير نظام بنظام آخر، لكنها لا تهدف إلى إسقاط الدولة. النظام شيء، والدولة شيء آخر.

وكل عمل ثوري قائم على الحركة، وكل حركة لها بداية وكل ما له بداية له نهاية إلا مدبر الكون وصاحب الأمر سبحانه لا إله إلا هو.

إذن لكل بداية نهاية، ولكل ثورة نقطة بدء وانطلاق ولحظة سكون واستقرار. وبعد السكون والاستقرار في ظل النظام الجديد يتم البناء والتنمية والتطوير في ظل دولة القانون.

الأزمة التي نعانيها هي ما يتردد ليل نهار من قوى ثورية عربية عديدة، أن الثورة مستمرة، وأنها عمل لا ينتهي وستظل في حالة ثورة إلى الأبد. لم يخلق الإنسان كي يثور إلى الأبد، ولم توجد مجتمعات استطاعت أن تحقق معدلات تنمية وتقدم وتطوير وإصلاح في كافة المجالات أثناء ثورات واحتجاجات واعتصامات دائمة توقف كل أوجه الحركة في المجتمع وتقتلع الأخضر واليابس!

علمنا التاريخ أن التقدم الحقيقي يأتي في زمن استقرار أمني، وسيادة قانون، وعدالة اجتماعية، وإدارة علمية، ومجتمع مفتوح وشفاف، وإعلام حر. وعلمنا التاريخ أيضا أن حالة الفوضى الدائمة والاحتجاجات اللانهائية وعمليات الشك المرضي والتشكيك الدائم في صانع القرار ومن حوله توصلنا إلى حالة عدمية وعبثية تعود بالمجتمع إلى الوراء وتصيب الناس بالاكتئاب الجماعي وتدفع بالخزانة العامة إلى شبه الإفلاس. ما زالت تونس تعاني من تبعات الثورة وفوضى القوى التكفيرية التي تريد أن تحكم الشارع بالإرهاب، وما زالت اليمن غير قادرة على تحقيق الانضباط داخل المؤسسة العسكرية وهو أخطر أنواع الفوضى لأنها الفوضى المسلحة. أما مصر فهي تستعد لمظاهرات يوم 24 أغسطس (آب) الحالي الداعية لإسقاط النظام الذي جاء عبر انتخابات حرة. وبصرف النظر سواء كنا مع أو ضد جماعة الإخوان التي فاز مرشحها فهي قوة شرعية.

وقد علمنا التاريخ المعاصر أن من يفوز بانتخابات حرة لا يتم إسقاطه بمظاهرات ولكن بانتخابات أخرى حرة. أما ليبيا فما زالت تدفع فاتورة النزاعات القبلية والعرقية والمناطقية بالدم والسلاح رغم رحيل نظام القدافي، وما زالت البنادق لم تسكت ولا النفوس قد هدأت ولا حالات الثأر القبلي والمناطقي قد توقفت إلى غير رجعة.

والأمر - للأسف الشديد - لن يختلف بالنسبة لسوريا في مرحلة ما بعد نظام بشار الأسد. ففي اليوم التالي لرحيل هذا النظام سوف تبدأ مرحلة الصراع على السلطة وتقسيم الغنائم بين أكثر من 12 فصيلا ثوريا كل منها يدعي لنفسه فقط الفضل في نجاح الثورة! إذا كانت الثورة عملا نبيلا فإن الأكثر نبلا هو تحويلها إلى عمل إصلاحي حقيقي في ظل نظام يحترم الدولة ولا يفقدها هيبتها من خلال التزام مقدس بالقانون والدستور.