العيد العربي سعيد أم بعيد؟

TT

استضافت السعودية مؤخرا مؤتمر التضامن الإسلامي في أشد بقعة ازدحاما في هذا التوقيت، 57 رئيس دولة اجتمعوا في مكة المكرمة، لا يفصلهم عن مليوني زائر للحرم المكي سوى بضعة جدران. تحدٍ أمني وتنظيمي كبير، أرادت به السعودية ملامسة المسؤولية الدينية لكل راع حول ما يحصل أو قد يحصل لرعيته. اجتماعات عربية وإسلامية متتالية، كلها تؤكد أن حال المسلمين والعرب لا يبشر بخير.

مصر، تعبت وأتعبت العرب وهم يراقبون مآلها. نصف المصريين متعصبون للرئيس الجديد ونصفهم الآخر غير مطمئنين إليه. لا نعلم، ربما على الرئيس أن يتوخى الحذر من أتباعه وليس من خصومه. ليس التطرف المسلح المنحصر في سيناء هو التهديد الكبير الذي تواجهه مصر، بل الأصوات التي تدافع علنا عن الرئيس بالفتيا بهدر دم نصف المصريين الذين لم ينتخبوه. ووسائل إعلام لا تقل تطرفا عن الجماعات المسلحة، تبنت خطابا إعلاميا تحريضيا في مجتمع تلوث بالتطرف حينما غابت المحاسبية، أو أصبحت انتقائية.

في الكويت، يتكرر مشهد ظهور الأمير الحليم مناشدا مجلس الأمة - ظهر الدولة - بألا يكون سببا في تفتيت نسيج المجتمع الذي اختاره. في هذا البلد الصغير، لو أن اثنين من أعدائه تراهنا أيهما أشد فتكا به، لن يصلا إلى مرحلة الهدم التي وصلها أبناؤه الذين يدّعون ولاءهم. الكويت تمر بأسوأ حالاتها منذ غزاها صدام حسين قبل عشرين عاما، والمتسببون يتراكضون لدعم كل قضية غير قضيتهم.

ليت شعري، لو أن للكويت نصيبا من أبنائها كما لسوريا وفلسطين وميانمار وباكستان و...

الإمارات العربية المتحدة، أصابتها عدوى النزاعات الفكرية. «دبي» التميز التي نحسبها الفرع الأوروبي في المنطقة العربية، مغناطيس السائح والمستثمر والباحث عن النمذجة القويمة، تبدو أحاديث التجاذبات الفكرية غريبة فيها. دبي لم تنجح لأنها لوت عنق البيروقراطية وأدارت عجلة النمو الاقتصادي بمرونة، بل لأنها لم تسمح للآيديولوجيات العقائدية أن تنافس آيديولوجيا السوق. حري بأهل دبي أن يبقوا عليها نظيفة من الملوثات الفكرية التي قد تنتقل إليها جوا أو بحرا..

أما تونس فتحيرنا، نقرأ أخبارا عن إضرابات عامة تندد بسوء الخدمات، وإضرابات فردية من صحافيين محتجين على قمع الحريات والاعتقالات التعسفية. تقوم مظاهرات سلمية تقابلها الحكومة بالغازات المسيلة للدموع، والرصاص المطاطي. يشك المرء في عينيه وهو يقرأ تاريخ الخبر، هل حصل في 2012 أم 2010؟ هل هذا زمن الغنوشي أم زمن بن علي؟

في اليمن مفاجأة لم تكن في الحسبان، فقد اتضح أن تقليص نفوذ تنظيم القاعدة في التضاريس الوعرة أمر ممكن بعدما جعلنا الرئيس اليمني السابق علي صالح نعتقد لسنوات أن ذلك ضرب من المستحيل، وأن ما يطلبه من دعم لوجيستي ومالي لدحر «القاعديين» هو أقل ما يمكن تقديمه للحد نسبيا من توسعهم. ولكننا فوجئنا بأن طرد التنظيم المارق من المدن التي استحلها لسنوات أمر بات واقعا، وأن التضييق عليه متاح، إن توافرت الإرادة..

ولأول مرة في تاريخ أميركا ينتظر العالم كله، ليس سياسيوه فقط، بل عامته، كبارا وصغارا، انطلاق صفارة الانتخابات الأميركية، لأنها قد تكون إيذانا بانفراجة للشعب السوري المسحوق الذي اكتسب تعاطف كل سكان الأرض حتى وحوشها من الراديكاليين الإسرائيليين. على سوريا أن تنتظر انتخابات الجهة الأخرى من الكرة الأرضية حتى يحسم أمرها، رغم أن المطلوب لم يكن سوى منطقة عازلة كفيلة بإنهاء هذا الفيلم المرعب الذي حفره بشار الأسد وزبانيته في ذاكرة التاريخ الإنساني.

العراق في ظروفه الحالية هو مشروع وحدوي فاشل، ولبنان كان دولة فأصبح طائفة، والبحرينيون بعضهم مثل النار، لا يشبعون، كلما أصلح لهم الملك نظاما قالوا: هل من مزيد؟ لكني أتنفس التفاؤل ملء رئتي مع تلك المولودة الجميلة التي ولدت دون ضجيج. بعد 40 عاما، ارتوت الصحراء الليبية بديمقراطية رقراقة دون الحاجة لنهر صناعي خالد، واستفتى الليبيون قلوبهم دونما استرشاد من كتاب أخضر.

ثلاثة رجال سيخلدهم التاريخ الليبي؛ مصطفى عبد الجليل، الرجل الصالح الذي قاد ليبيا خلال الثورة بحكمته ونظافة سريرته، وترجل في الوقت المناسب لأن المرحلة لم تعد مرحلته، ربما ليكتب مذكراته التي ستحتاجها الأجيال الناشئة. ومحمد المقريف، المناضل التاريخي الصلف الذي يعرف ما عليه فعله في مرحلة لا تزال انتقالية. ومحمود جبريل الذي جال العالم لاقتناص اعتراف بشرعية المعارضة الليبية من ساركوزي وكلينتون وكاميرون، ولم يعد أدراجه إلا عندما حلقت طائرات «الناتو» فوق سماء بنغازي. يستغرب الناس كيف حصد هذا الرجل أصوات الناخبين، السبب أنه ترك السلطة وقتما ظن بعض الليبيين أنه يسعى إليها، فتشكلت بعده حكومة بالحد الأدنى من الرضا العام. غاب جبريل فترك غيابه فراغا مخيفا، وعندما عاد للانتخابات يقود تحالفا لقوى سياسية التف الناس حوله. الناخبون لم يختاروا تحالف القوى الوطنية، بل اختاروا محمود جبريل القيادي الإداري المحنك الذي يرأس التحالف. جبريل هو الوحيد من قادة دول الربيع العربي الذي قدم برنامجا لدولة مدنية واضحة المعالم، لأنها جزء من قناعاته وليست مهارة تسويقية. ليبيا بوابة أوروبا، الدولة النفطية، بمساحات شاسعة، وكثافة سكانية محدودة، هي قطعة من الصلصال يراد تشكيلها.

أمامنا صورة عامة للعالم العربي لا تشي بالاطمئنان، السواد يكتسح البياض، والخيبات أعلى صوتا من النجاحات، ولكن قد يكون من الأصوب اللجوء للتفاؤل، وليس الإفراط فيه، على الأقل هذا ما تدعونا إليه طقوس الأعياد من بهجة، وحسن ظن بالأقدار.

كل عام وأنتم بخير.

* كاتبة سعودية

[email protected]