الكلمة الساحرة

TT

لا شك أن للكلمة الطيبة وقع السحر في قلب من يتلقاها، إلا إذا كان ذلك القلب هو قلبا معتوها لا يعقل وليس لديه حتى الحد الأدنى من المشاعر!!

وفي ظني أننا جميعا ومن دون استثناء في أمس الحاجة لمن يمتدحنا، أي أن المجتمع المثالي هو المجتمع (المادح والممدوح)، والمدح هو نوع من المجاملة التي إن زادت على الحد تحولت إلى نفاق، والنفاق إذا زاد على الحد تحول إلى كارثة، المهم هو كيف يحاول الإنسان الذكي، ولا أقول الخبيث، كيف يحاول أن يحافظ على مستوى (الشعرة) الفاصلة بينهما.

وقرأت مقابلة مع ملكة جمال إحدى الولايات الأميركية، وعندما سألها الصحافي عن ملابسات زواجها أجابت بكل صراحة، والمشكلة أن زوجها كان جالسا إلى جانبها ومع ذلك قالت وهي تشير إلى زوجها: انظر له من جميع الوجوه فهو بعيد عن الجمال نهائيا، ويلبس نظارة مقعرة تضاعف حجم عينيه الجاحظتين، وله ذلك البروز في الحلقوم المعروف بتفاحة آدم، وذو نمش في الوجه، ومع ذلك كله كان جذابا إلى حد مزعج.

وقد بلغت بي الجرأة ذات مرة أن سألته:

- كيف حدث لك كل هذا؟!

أجابني: منذ زمن بعيد نظرت في المرآة وقلت لنفسي: لو كانت الوجوه هي كل شيء فالأولى بي أن أطلق الرصاص على نفسي، وحيث إنني لم أكن راغبا في إطلاق الرصاص على نفسي، فقد قررت أن أستر وجهي بقلبي: فأخذت أحب الناس وأجعلهم يعرفون ذلك.

وكان محقا في قوله تماما، فهذا الرجل حين يصغي إلى امرأة وهي تتكلم يفعل ذلك كما لو كان لم يسمع طيلة حياته امرأة تتكلم. إنه يهتم بالناس وله أخلاق عالية، ويكاد في عمله يقتل نفسه وهو سيد ذاته.

لهذا أحببته وتزوجته - انتهى.

طبعا كلامها على عيني وعلى راسي، ولكنني بدأت أشك كثيرا عندما أعدت النظر وكررته في صورة ذلك الرجل، وإنني على يقين أن لديه ميزة رهيبة غامضة أخرى خلبت لب ملكة الجمال ولم تفصح عنها، وهي بكل تأكيد غير دماثة الأخلاق.

ولكن دعونا من عالم الكبار واسمحوا لنا أن ندخل في عالم الأطفال.

فقد حدثتني إحدى السيدات عن حادثة مؤثرة وقالت: «إن ابنتي الصغيرة كثيرا ما تتمادى في العبث، مما يحملني على تأنيبها، ولكنها في يوم ما لم يصدر عنها أقل شيء يدعو إلى التأنيب. وفي المساء، حينما صحبتها إلى فراشها وأحكمت الأغطية حولها، وقفلت هابطة الدرج إلى الأسفل سمعتها تجهش بالبكاء، فعدت إليها فوجدتها قد دفنت رأسها في الوسادة، وأطلقت لدموعها العنان، وفي صوت تكاد العبرات تخنقه، قالت: ألم أكن اليوم فتاة عاقلة؟!»

واستطردت الأم تقول: «إن هذا السؤال نفذ إلى قلبي نفاذ السهم، فقد كنت دائما أسارع إلى تأنيبها وتصحيح أخطائها، فلما اجتهدت في اجتناب الخطأ، لم ألاحظ ذلك، بل جعلتها تأوي إلى فراشها من غير أن أقول لها كلمة واحدة تدل على الاستحسان» - انتهى.

حتى الحيوان تؤثر فيه الكلمة أو المعاملة الحسنة، وليس الإنسان فقط، وجرب لو كان لديك قطة، أن تضعها في حضنك وتمسد عليها، فثق تماما أنها سوف (تهر) من فرط السعادة وتعبر عنها بعضعضتك برقة ودون ألم.

ولو أن لديك كلبا، وخاطبته بود وكلمات مديح، فثق تماما أنه سوف يهز لك ذيله، ويجثو تحت قدميك.

فلا تعتقد أيها الإنسان أنك الوحيد الذي تفهم، حتى الحيوانات تفهم.

[email protected]