لبنان محافظة سورية أخرى!

TT

من الأمور التي يجب ألا تغفل عن عقولنا وأبصارنا ما يحدث هذه الأيام في لبنان من تصعيد وتسخين للأوضاع بشكل يتعدى لعبة التهديدات الكلامية المعتادة أو ما يعرف باسم الحرب على الورق.

في الأيام الأخيرة تجمعت مجموعة من الخيوط والوقائع التي تسعى جميعها إلى إحداث حالة من الفوضى والاضطراب المتعمد، هذه الظواهر يمكن رصدها على النحو التالي:

1 - زيادة عمليات الخطف والخطف المتبادل، آخرها ما يعرف باسم واقعة آل مقداد.

2 - ضبط فرع المعلومات بالأمن اللبناني وقائع وأدلة لمؤامرة كبرى كانت تستهدف إحداث مجموعة من التفجيرات الطائفية تهدف إلى إحداث فتنة طائفية في لبنان، في ما عرف بعد ذلك بقضية الوزير السابق ميشال سماحة الذي قيل إنه اعترف بأنه تلقى تعليمات من قيادات أمنية سورية لتنفيذ هذه العمليات.

3 - ارتفاع وتيرة التصريحات التهديدية بين القوى السياسية، وآخرها تصريح سماحة السيد حسن نصر الله حول حالة التسخين السياسي التي تشهدها البلاد، مؤكدا أن «حزب الله يرى أن الأوضاع في لبنان خرجت عن السيطرة، وأنه على الجميع أن يتحملوا مسؤولياتهم».

4 - فشل جلسات دائرة الحوار الوطني التي عقدت مؤخرا في المقر الصيفي لرئيس الجمهورية في الجبل والتي تغيب عنها 3 من القوى السياسية بدواعي السفر، في إحداث أي لملمة لحالة التوتر الداخلي التي تشهدها البلاد.

5 - زيادة حركة النزوح للعائلات السورية عبر الحدود إلى لبنان بشكل متزايد.

ذلك كله دعا السفارة الأميركية في بيروت لتحذير رعاياها من مخاطر أمنية ومن احتمالات الخطف، ودعا أيضا فرنسا «الأم الرؤوم» للبنان للتحرك السريع عبر وزير خارجيتها لوران فابيوس الذي زار لبنان وتركيا وأكد «مخاوف بلاده الشديدة من انتقال العنف المخيف والدائر منذ فترة في سوريا إلى لبنان».

وضع الدبلوماسي الفرنسي المحنك يده على الجرح الذي يهدد لبنان، وهو انتقال مسرح الأحداث المتوتر أو اتساعه من سوريا إلى لبنان، وزيادة طرفيه التقليديين وهما جيش النظام مقابل الجيش السوري الحر، لتدخل قوى أخرى مثل حزب الله مقابل القوى السنية في الشمال اللبناني.

هذا السيناريو الكارثي هو سيناريو هدم المعبد القائم على فكرة أنه إذا كانت النيران بالفعل مشتعلة فلماذا لا يتسع نطاقها لتحرق الجميع؟!

الكارثة التي يعانيها النظام في سوريا أنه لم تعد لديه خطوط حمراء تحدد حركته، ولا توجد لديه اعتبارات سياسية إقليمية أو دولية لا يتعداها أو يراعيها وهو يتخذ قراراته. باختصار لا وازع أخلاقي يمنعه من استخدام القاذفات المقاتلة ضد شعبه، ولا رادع سياسي ضد توسيع مسرح القتال ليشمل دولا أخرى.

باختصار مرة أخرى «لا شيء يهم» سوى شراء يوم آخر تشرق فيه الشمس على هذا النظام الدموي مهما كان الثمن ومهما اتسعت رقعة الجنون!