السياسة النفطية في العراق فشل الاتحادية.. نجاح الإقليم

TT

اتصفت الحكومة الاتحادية بنزوع حاد نحو الحكم المركزي، على الرغم من تمظهر المؤسسات الديمقراطية وآلياتها الانتخابية والبرلمان والدستور الذي يشير في المادة الأولى منه إلى أن العراق دولة اتحادية ونظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي... لكن ما يعنينا هنا هو محاولات الحكومة الاتحادية عرقلة الخطط والبرامج التي تضعها حكومة إقليم كردستان للاستثمار في مجال النفط؛ إذ طالما وقفت بالضد من أي عقد نفطي يبرمه الإقليم مع الشركات الأجنبية، وقد حاولت الحكومة الاتحادية، وبسعي دؤوب، شرعنة سيطرتها المطلقة على مشاريع وعقود النفط في كردستان عبر مسودة مشروع النفط والغاز التي تحاول الحكومة تمريرها منذ عام 2007، لكن الكرد وآخرين اعترضوا بشدة على المسودة التي قدمتها الحكومة بوصفها تتعارض مع الدستور وحقوق الكرد؛ لذلك حذر رئيس الإقليم (مسعود بارزاني) من تنامي نزعة المركزية. وترى كتلة التحالف الكردستاني أن «مشروع قانون النفط والغاز المقدم من مجلس الوزراء يحتوي على الكثير من التجاوزات على النظام الفيدرالي الذي أقره الدستور..».

والمراقب للشأن النفطي في العراق يجد أن الشغل الشاغل لنائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة السيد حسين الشهرستاني هو إطلاق التحذيرات والتهديدات للشركات التي تبرم عقودا نفطية مع الإقليم، لكن اللافت للنظر أن هذه الشركات لم تأبه لهذه التحذيرات، واستمرت في تنفيذ عقودها، ومنها الشركة العملاقة الأميركية «إكسون موبيل»، وكلما ازدادت التهديدات ازداد عدد الشركات العاملة في الإقليم، إذ استطاع الإقليم إبرام عقد مع الشركة الأميركية «شيفرون» والشركة الفرنسية «توتال»، فضلا عن الشركة الروسية «غاز بروم».. ما يعني تخبط الحكومة الاتحادية في سياستها النفطية وفشلها الذريع في هذا الجانب، إذ تصر هذه الشركات العملاقة على المضي في عقودها مع الإقليم ومن دون أي اكتراث للتهديدات، وهذا يؤكد أن هناك فشلا في السياسة النفطية الاتحادية وعزوفا من قبل الشركات العملاقة للتعامل مع الحكومة العراقية التي جعلت من العراق بيئة طاردة للاستثمار، والمتتبع يجد أن جولة التراخيص الرابعة لم يجر فيها إلا توقيع ثلاثة عقود من أصل 12 عقدا مطروحا للمزايدة، ماذا نستشف من ذلك سوى عزوف الشركات العملاقة عن التعامل مع من يديرون الملف النفطي في العراق؟ إذ ما زال هناك من يفكر بعقلية الاقتصاد المركزي، وإدارة السياسة النفطية على وفق رؤية النظام المباد.. فغالبية العاملين في المؤسسة النفطية هم من كانوا قد تشربوا ثقافة الإدارة المركزية.

وعلى الرغم من ذلك، تدخل رئيس الوزراء وبعث رسالة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما يحثه فيها على التدخل من أجل ثني شركة «إكسون موبيل» عن الاستمرار بعقدها مع الإقليم، لكن الإجابة جاءت باعتراف ضمني بدستورية العقد المبرم بين الشركة والإقليم، ولكن المثير للغرابة أنه لم يعترض البرلمان العراقي أو تجرِ مساءلة بشأن إخفاق مكتب شؤون الطاقة ووزارة النفط في سياستها النفطية، وما تفسير عزوف الشركات العملاقة عن التعامل مع الحكومة الاتحادية، التي سينسحب وضعها بالتأكيد على نوع العلاقة مع الإرادة الدولية وما قد يتسبب في إضعاف دور العراق الدولي. وما يجري من تخفيض نسبي للتمثيل الدبلوماسي الأميركي في العراق ربما هو إشارات من واشنطن إلى امتعاضها من سوء التعامل معها الذي ينسحب سلبا وعلى مختلف الصعد..

وفي الجانب المقابل نجح الإقليم في سياسته النفطية، وما تزايد العقود النفطية مع الشركات العملاقة إلا دليل على ذلك، فضلا عن ثقة المستثمر الأجنبي بقوانين الإقليم وبسياسته الناجحة والمستقرة وبدستورية العقود التي يبرمها الإقليم، والتي تتوافق مع المواد الدستورية 111 و112 و115، وأربيل ماضية قدما في إجراء المزيد من التعاقدات مع الشركات العملاقة.

قال آشتي هورامي: «الإقليم سيكون قادرا على تصدير النفط مباشرة من حقوله في شهر أغسطس (آب) من العام المقبل.. وكردستان ستصبح مسؤولة عن تصدير نفطها الذي سيبقى نفطا عراقيا». وهناك عدد من المشاريع الواعدة في مجال الطاقة يجري تنفيذها في إقليم كردستان، لأن هناك إدارة سياسية ناجحة، تخطط وتضع البرامج المدروسة وتعمل بروح الانتماء والإخلاص وبمستويات من النزاهة مقبولة، وما النجاحات المتحققة إلا مصاديق ذلك، فالشركات الكبرى لا تتعامل بالرشى والعمولات. والنجاح في السياسة النفطية بالإقليم سيصب في صالح العراقي، إذ إن حصة الإقليم هي 17 في المائة والإقليم ملتزم بذلك، وما يفيض فهو لجميع العراقيين.