وداعا (أولي).. وداعا (ساتان)

TT

قال الشاعر العربي القديم:

وقد يجمع الله الشتيتين بعدما

يظنان كل الظن ألا تلاقيا

غير أن الاجتماع أو اللقاء قد لا يكون سعيدا دائما، فقد يكون أحيانا حزينا أو مدمرا.

وحكايتي التي أريد أن أنقلها وأطرحها عليكم حصلت في (لوس أنجليس) الأميركية، وكانت بدايتها (كيوبيد) الغرام الذي جمع بين قلبين شابين؛ هو يناديها (ساتان)، وهي تناديه (أولي)، وأول ما تعارفا على سلالم حديقة عامة، وظل هذا المكان هو المفضل للقائهما المفعم دائما بالسعادة والضحكات.

وبعد فترة، التحق هو بعمل في دار نشر، وفرح بذلك كثيرا، حيث إن مهنته الكتابة، في الوقت الذي حصلت فيه هي أيضا على فرصة عمل والتحقت بوكالة سفر على أن يكون مقر عملها في باريس.

حاول هو أن يثنيها عن الالتحاق بهذا العمل، ولكنها كانت مصممة عليه، ودار نقاش وجدل بينهما، وفجأة ركعت على ركبتيها أمامه، فسألها: ماذا تفعلين؟! أجابت: أيها الغبي، أنا أطلب يدك، تزوجني يا (أولي)، وتعال معي إلى فرنسا، أنا أعولك وأنت تكتب ما شاء لك أن تكتب، لديك آلتك الكاتبة وكمية من الورق، وأنا مستعدة أن أحملها لك.

غير أنه ظل صامتا ولم يجبها لأنه يفكر، ولا يريد أن يفرط في وظيفته التي ترضي طموحه.

فسألته متعجبة: هل أنت خائف إلى هذا الحد يا (أولي)، ألا تثق بي، أو بنفسك، أو بأي شيء؟! يا إلهي، لماذا الرجال جبناء هكذا؟! اسمع، هذا عرضي الوحيد، أنا لم أطلب الزواج من قبل، ولن أطلبه أبدا مرة ثانية.

لقد أطلت الركوع؛ إن ذلك مؤلم لركبتي، ماذا قلت؟!

واستمر هو في صمته ولم يتكلم، فقالت له: لديك دقيقة واحدة لتقرر، ستون ثانية.

ومضت تحدق إلى ساعة يدها، قال مرتبكا: انهضي عن الأرض، فردت: إذا ما فعلت ضاعت محاولتي وانتهى الأمر.

تأوه وأخذ يتمتم. نظرت هي إلى ساعتها: ثلاثون، عشرون، رفعت ركبة واحدة، عشرة، بدأت ترفع الأخرى، خمسة، واحد ثم وقفت على قدميها، وقالت له: أنا ذاهبة، لكنني سآتي مرة في السنة إلى سلالمنا، في الساعة ذاتها كما في تلك الليلة الأولى، وإذا ما كنت هناك لتلتقيني فسأخطفك، أو تخطفني. وسافرت وانقطعت أخبارها.

وظل هو يتردد على نفس السلالم بالحديقة في نفس الموعد لمدة ثلاثة أعوام، وفي السنة الرابعة، رأى قنينة من الشراب الجيد ربطت بشريط وأرفقت ببطاقة جاء فيها: «أولي، عزيزي تذكرت التاريخ، ولكن في باريس الثغر ليس ذاته، لكنه زواج سعيد، لك حبي.. (ستان)»، وبعدها انقطع عن التردد على المكان.

ومرت خمس عشرة سنة، وكان في رحلة إلى فرنسا وفيما هو يتنزه عند الغسق في شارع (الشانزيليزيه) بباريس مع زوجته وابنتيه لمح سيدة جميلة قادمة من بعيد يرافقها رجل وقور أكبر منها سنا وفتى وسيم أسود الشعر في نحو الثانية عشرة من عمره.

وحين مرت قربه أضاءت وجهيهما ابتسامة واحدة في لحظة واحدة، لوح لها برابطة عنقه، ونثرت هي شعرها في اتجاهه.

تابعت الأم والبنتان السير، أما هو فالتفت إلى الوراء وفي اللحظة ذاتها التفتت المرأة، وخال فاها يومئ بكلمات: وداعا يا (أولي)، وأحس بشفتيه تتحركان بصمت: وداعا يا (ساتان)، وسارا في اتجاهين متعاكسين في الشارع مع مغيب شمس أكتوبر.

[email protected]