داود أوغلو.. صالحي.. كلينتون.. قمة مكة

TT

الخطوة التي أعقبت تلويح الرئيس الأميركي أوباما بمضرب البيسبول وهو يحادث رجب طيب أردوغان هاتفيا كانت زيارة خاطفة لوزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي إلى العاصمة التركية ومغادرته للمشاركة في مؤتمر طهران حول الأزمة السورية، وهو يتنصل من الانتقادات والهجمات العنيفة التي شنتها بعض القيادات الإيرانية ضد رجب طيب أردوغان وحكومته مؤكدا أنها لا تعبر عن وجهة نظر طهران الرسمية. أما الخطوة التي تلتها فكانت وصول وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى إسطنبول على عجل للإعلان من هناك عن تطابق المواقف التركية الأميركية حول سيناريوهات إسقاط النظام السوري ومرحلة ما بعد الأسد ووضع اللمسات الأخيرة على خارطة الطريق بكل تفرعاتها ومفاجآتها كما قالت الوزيرة الأميركية. دون أن نهمل التحرك الذي سبق هاتين الخطوتين بزيارة قام بها وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى طهران قبل وصول نظيره الإيراني إلى أنقرة.

كلينتون كما فهمنا حملت في جعبتها بعض السيناريوهات والاقتراحات في محاولة لإنقاذ الموقف الأميركي المتردد في التعامل مع الأزمة السورية. لكن الوزيرة الأميركية تعرف قبل غيرها أن واشنطن تتحمل المسؤولية هي الأخرى في تحويل الأزمة السورية إلى عقدة بدل أن تساهم في توفير الحل، وأن خطوات انتشالها تركيا من ورطتها هذه يعترضها حاجز الانتخابات الرئاسية الأميركية الذي يعيق أي مشروع إقليمي ودولي يناقش خطط إخراج سوريا من ورطتها.

أمام حالة الانسداد في الأفق هذه، وإذا ما حاولنا إعادة جمع وتركيب مكعبات في مهمة شبه مستحيلة حول حدوث مفاجآت في الموضوع السوري يبرز التساؤل التالي إلى العلن: هل من المحتمل أن تكون أنقرة سلمت الوزيرة كلينتون رسائل وأفكارا إيرانية جديدة أكثر ليونة وعملية وواقعية ناقشتها مع الوزير الإيراني حول الأزمة السورية وسبل معالجتها؟

حديث كلينتون – داود أوغلو الأخير أمام وسائل الإعلام كان يوحي بأن اللمسات الأخيرة للخطط الحربية باتجاه النظام في سوريا قد أنجزت ولم يبق سوى تحديد موعد ساعة الصفر. لكن الارتباك في الموقف الأميركي يدفعنا إلى تقديم احتمال أن واشنطن أفسحت المجال أمام سيناريو من هذا النوع لكسب المزيد من الفرص والوقت والخروج من أجواء الانتخابات وترك القرار النهائي في الموضوع السوري للرئيس الجديد. قمة التضامن الإسلامي في مكة ونتائجها والتصرف الإيراني هناك سيساعدنا حتما على تبني أو رفض هذا السيناريو الصعب والذي لا يقل صعوبة عن إقناع موسكو ودمشق بتغيير مواقفهما وتمسكهما بإطالة عمر الأزمة في سوريا التي تتسبب يوميا في مقتل العشرات ولجوء المئات إلى دول الجوار وتكاد تطيح بمرافق البلد واقتصاده وثرواته.

طهران تعرف أن مصالحها مع الشعب السوري لم تعد تحت رحمة النظام وقراره هو، وتعرف أن المعارضة السورية التي تقوى يوما بعد الآخر قادرة على تهديد وضرب هذه المصالح، وهي من هذا المنطلق ربما تريد الخروج من لعبة دعم النظام حتى النهاية أم أن كل ما يقال بهذا الاتجاه مجرد مضيعة للوقت، بعدما جددت طهران قبيل وصول رئيسها إلى جدة رفضها استسلام النظام السوري أو تراجعه عن مواقفه، وهذا ما فهمناه من جليلي نفسه عندما دعا القيادة السورية للصمود، فمحور المقاومة هو الذي سينتصر دون أن يقول لنا من الذي يقاوم من وعلى أي جبهة تدور المعارك؟

البعض بدا يتحدث بصوت أكثر ارتفاعا في تركيا عن فشل دبلوماسية التعامل مع الأزمة السورية وضرورة تنحي المسؤولين عن هذا الفشل، والبعض الآخر عن جلوس القيادة الأميركية في المقاعد الأمامية لساحة اللعب التركية في التعاطي مع المسألة السورية والاكتفاء بالتفرج والتشجيع، فهل يخرجهم «السيناريو» الإيراني من مأزقهم؟

احتمال آخر أن تكون قمة مكة (كتب هذا المقال قبل انعقادها) بعيدة تماما عن كل هذه الأجواء، وتكون عند قراءة هذا الكلام قد قطعت العلاقات تماما مع النظام السوري في قراراتها وتوصياتها حول الأزمة السورية وتحسم النقاش حول فرص سيناريو من هذا النوع، بعدما كانت المنظمة أول من دعا وفي أكثر من بيان وموقف النظام في دمشق للاستجابة لمطالب الشعب السوري المحقة بالتغيير والإصلاح مؤكدة أن قتل المدنيين والأبرياء على هذا النحو لا علاقة له بنظرية المؤامرة التي تكررها دمشق حول استهداف وحدة سوريا وأمنها واستقرارها.