مأزق توزيعات أرباح الأسهم الأميركية

TT

لقد أصبح الباحثون عن توزيعات أرباح الأسهم في السوق الأميركية في مأزق إلى حد ما، فمع تسابق المستثمرين الخائفين إلى الأسهم الدفاعية في الفترة الأخيرة، صارت القطاعات التقليدية المدرة للدخل في البورصة هشة للغاية، حيث أصبحت أسهم قطاع المنافع مثلا تتداول بعلاوة عن السوق العامة، وهو أمر نادر الحدوث، كما أصبح مضاعف الربحية الخاص بسهم الاتصالات المتوسط أعلى بنسبة 59 في المائة من مضاعف الربحية الخاص بمؤشر «ستاندرد آند بورز 500».

إلا أن المستثمرين الذين يستهدفون توزيعات الأرباح لن يعدموا البدائل، فمع قيام أنواع أكثر وأكثر من الشركات بإعادة حصة من أرباحها إلى المستثمرين في صورة توزيعات أرباح، فإن هناك وفرة من مصادر الدخل في بورصة اليوم، وهي مصادر رخيصة أيضا، والمشكلة الوحيدة هي أن المستثمرين يجب أن يكونوا على استعداد للرهان على أسهم حساسة اقتصاديا كي يحصلوا على تلك العوائد. ويوضح ديفيد هون، وهو مدير المحافظ الاستثمارية في صندوق الاستثمار «ويليام بلير لارج كاب فاليو»: «هذا هو ما ينصب عليه اهتمامنا هذه الأيام.. القطاعات المهملة غير التقليدية الأكثر انكشافا على النمو الاقتصادي العالمي».

وأكبر مثال لذلك هو قطاع التكنولوجيا، ففي أواخر التسعينات من القرن العشرين، كانت شركات التكنولوجيا التي تشهد نموا سريعا نادرا ما توزع أرباحا على المساهمين، حيث كانت تفضل إعادة استثمار أرباحها من أجل تحقيق المزيد من التوسع. ولكن في السنوات الأخيرة، تحولت أسهم التكنولوجيا في هدوء إلى ثاني أكبر موزع للأرباح النقدية في مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، خلف قطاع السلع الاستهلاكية مباشرة، وأصبح قطاع التكنولوجيا يمثل حاليا 13.8 في المائة من جميع توزيعات الأرباح في المؤشر، بارتفاع أقل من 6 في المائة عام 2007 قبيل بداية الأزمة المالية، وذلك بحسب شركة «ستاندرد آند بورز». بل إن كل ما يحتاجه قطاع التكنولوجيا كي يصبح أكبر موزع للأرباح في السوق هو أن تبدأ شركة «غوغل» في توزيع عوائد متواضعة، طبقا لما ذكره هوارد سيلفربلات، كبير محللي المؤشرات في شركة «ستاندرد آند بورز داو جونز إنديكسز».

ولكن نظرا لأن عوائد توزيعات شركات التكنولوجيا، التي يعبر عنها بنسبة من أسعار الأسهم، ليست مرتفعة للغاية، فإن هذا القطاع لا يزال يلقى إهمالا عندما يتعلق الأمر باستراتيجيات الدخل من الأسهم، حيث يبلغ متوسط العائد على أسهم التكنولوجيا 1.6 في المائة، مقابل 2.3 في المائة للسوق العامة. وحتى أسهم التكنولوجيا التي تدر عوائد أعلى من المتوسط ربما تكون قد بدأت تلقى بعض الاهتمام على استحياء، حيث يشير هون إلى أن شركة «مايكروسوفت»، على سبيل المثال، لديها عائد جيد على الأرباح الموزعة يبلغ 2.6 في المائة، وقد ارتفع هذا العائد بمعدل سنوي أعلى من السوق يبلغ 15 في المائة على مدار السنوات الخمس الماضية، إلا أن أسهم «مايكروسوفت» تتداول بمضاعف ربحية لا يتجاوز 10.1، بناء على توقعات الأرباح.

ويتفق كينت جونسون، المدير المشارك لصندوق الاستثمار «سيت ديفيدند غروث»، مع ضرورة أن لا يغفل المستثمرون الذين يستهدفون توزيعات أرباح قطاع التكنولوجيا، وتعد شركات «آي بي إم» و«مايكروسوفت» و«إنتل» من أكبر حصص الممتلكات في صندوق الاستثمار الذي يديره. وكشف جونسون عن أن شركة «إنتل»، التي يبلغ عائد الأرباح الموزعة بها 3.2 في المائة ولا يتجاوز مضاعف الربحية المتوقع لها 10.2، «تدر عوائد أعلى مرتين من سندات الخزانة ذات أجل 10 سنوات، إلا أنها تتداول عند تقييم لا يتجاوز ثلثي تقييم أسهم المنافع». وتابع: «هذه هي نوعية الفرص التي نبحث عنها».

ومن المؤكد أن صندوق الاستثمار «سيت ديفيدند غروث» يتعامل مع الاستثمار في أرباح الأسهم بطريقة غير تقليدية إلى حد ما، فبدلا من التركيز على الأسهم التي تحقق أعلى العوائد، يقول روجر سيت، وهو مدير مشارك آخر في الصندوق: «ما نحاول أن نفعله هو البحث عن الأسهم المبشرة بالنمو، أي الشركات التي تحقق نموا قويا في إجمالي المبيعات وتدفقا نقديا قويا ولديها ميزانيات قوية، التي يتفق أن توزع عوائد مرضية».

وقد أدى هذا التفكير بالصندوق إلى قطاع التكنولوجيا وغيره من قطاعات النمو التقليدية في السوق، ومن بينها الأسهم الصناعية، مثل أسهم شركة تصنيع معدات المزارع «دير آند كومباني»، وأسهم الرعاية الصحية، مثل شركة «كاردينال هيلث» لتوزيع الأدوية، وهاتان الشركتان توزع عوائد على الأرباح تتجاوز 2.2 في المائة ويتداول عند تقييم يزيد 10 أضعاف تقريبا على الأرباح المتوقعة. وبشكل عام، فإن أسهم التكنولوجيا والصناعة والرعاية الصحية تشترك في سمتين جذابتين، وهما أن أرباح القطاعات الثلاثة ارتفعت بسرعة أكبر من السوق العامة خلال الربع الثاني، وأن متوسط مضاعف الربحية في القطاعات الثلاثة أقل من متوسط مضاعف الربحية الخاص بمؤشر «ستاندرد آند بورز 500».

ويقول مارك فريمان، رئيس الاستثمار في شركة إدارة الأصول «ويستوود هولدنغ غروب»: «عليك أن تصطاد حيث يكون السمك، وهذا بالنسبة للمستثمرين الذين يسعون وراء توزيعات الأرباح يعني الذهاب إلى الأماكن التي يوجد بها ما يكفي من الدخل كي يتم توزيع أرباح اليوم وغد أيضا». لكنه يضيف أن عليك أيضا أن تصطاد في القطاعات التي ترحب بالمستثمرين المهتمين بالقيمة، فالمستثمرون على الرغم من كل شيء لا يشترون الدخل فحسب، بل يشترون أيضا السهم الذي يقوم عليه هذا الدخل. وأضاف أنه إذا كان المستثمرون ينجذبون إلى القطاعات الهشة مثل قطاع المنافع لأنهم يتوقون إلى الاستقرار، فإن عليهم أن يفكروا في أسهم الشركات الصناعية الكبرى التي تتمتع بميزانيات قوية في أماكن مثل قطاعات التكنولوجيا والصناعة والرعاية الصحية.

وذكر كريس كوردارو، رئيس الاستثمار في شركة «ريجنت أتلانتك كابيتال»، أن الباحثين عن توزيعات الأرباح ينبغي أيضا أن يكونوا على استعداد للبحث في الخارج عن مصادر دخل ذات سعر معقول، وأشار إلى أن العائد على مؤشر «مورغان ستانلي كابيتال للأسواق الناشئة الدولية» يقترب من 3 في المائة، مضيفا: «إلا أن هذه الاقتصادات مجبرة على أن تحقق أعلى نمو في ما بين 5 إلى 10 الأعوام المقبلة». واستطرد كوردارو قائلا إن توزيعات الأرباح هي مجرد عنصر واحد من إجمالي العوائد، وإن «المستثمرين عليهم أن ينظروا إلى عدد من الأبعاد المختلفة»، ومن بينها الأرباح والعوامل الأساسية، مثل التقييمات. ويختم قائلا إنهم إذا فعلوا ذلك، فسوف يدركون أن الكثير من الفرص المثالية للحصول على توزيعات الأرباح توجد في القطاعات الأسرع نموا من السوق.

* خدمة «نيويورك تايمز»

* بول ليم محرر أول في مجلة «المال» الأميركية