الهدنة مع المالكي

TT

كل العراقيين لديهم خلافات مع المالكي، هكذا بدأ المشهد السياسي في العراق قبل عدة أشهر، والجميع أعلنوا مشاريع بدأت بسحب الثقة وانتهت بالاستجواب الذي تم تجميده، وبدا أنه لا أحد له مشاكل مع المالكي الآن، الجميع بدأ بتصفير المشاكل معه.

نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات صالح المطلك قال إن الخلاف بينه وبين رئيس الحكومة نوري المالكي قد انتهى، والنجيفي أكد أن استجواب رئيس الوزراء نوري المالكي وسحب الثقة عنه مجمدان حاليا، والتحالف الكردي غير متفق حول الخلاف مع المالكي حتى بدا مسعود بارزاني وحيدا في هذا الشأن.

وهنا علينا أن نسأل: هل نجح المالكي في تفكيك جبهة خصومه؟ يبدو الأمر هكذا وخاصة أن خصوم المالكي لم يستطيعوا إقناع الشارع العراقي بحججهم وفشلوا في جمع الأصوات الكافية لسحب الثقة عنه، من جهة ثانية فإن المالكي تمكن من أن يدغدغ مشاعر العرب في الموصل وكركوك وصلاح الدين وديالى وهي أهم قواعد القائمة العراقية، تمكن من كسب ثقتهم عبر تصديه لطموحات مسعود بارزاني وتحجيم دوره بشكل كبير جدا، وهو الأمر الذي وضع قيادات القائمة العراقية في موقف محرج جدا أمام جمهورها، وخاصة أن البعض منها متهم بتقديم تنازلات للأكراد في أراض تابعة لهذه المحافظات، وهي تنازلات لم تعد سرية بل أكثر من طرف كشف عنها، وهي الورقة التي جعلت الكثير من قيادات القائمة العراقية عاجزة عن مواجهة جمهورها العريض. ومن هنا يمكننا القول إن المالكي تمكن بشكل أو بآخر من ربح المعركة بأخطاء خصومه وخلافاتهم، تمكن من أن يحول الأمر لصالحه، قد يكون الرجل قد عانى كثيرا في مرحلة ما، لكنه بدا أكثر تماسكا من خصومه الذين كثيرا ما يتراجعون عما يستعجلون بطرحه للشارع العراقي عبر وسائل الإعلام، بما في ذلك مشروع سحب الثقة الذي حاولوا من خلاله خلط الكثير من الأوراق على أنفسهم قبل خلطها على المالكي نفسه، ووجدوا أنفسهم في نهاية المطاف أمام أرقام لا تمكنهم من سحب الثقة عن رئيس الوزراء، فعمدوا للاستجواب المجمد حاليا كما صرح بذلك أسامة النجيفي رئيس البرلمان العراقي، وهو أحد أبرز قادة العراقية الذي ارتكب هو الآخر خطأ كبيرا جدا عندما دعا لسحب الثقة عن المالكي بوصفه رئيس مجلس النواب وليس عضوا بالقائمة العراقية، وهذا ما جعل الكثير من النواب يستنكرون هذا العنوان الذي تحدث من خلاله، وكان الأجدر أن يتحدث بصفته الحزبية فقط.

وفي تبريره لتجميد الاستجواب أشار النجيفي إلى أن ورقة الإصلاحات التي أعدتها لجنة الإصلاحات في التحالف الوطني، هي الفاعلة في الوقت الراهن. وهنا يسأل المواطن العراقي: لماذا إذن رفضتم الحوار منذ أشهر؟! ما الذي تغير؟!

في اعتقادي أن قبول القائمة العراقية بالحوار ومناقشة ورقة الإصلاح يمثل الخيار الوحيد لها بعد فشل مشروعي سحب الثقة والاستجواب واللذين كانا من نتائجهما مزيد من الانشقاقات الداخلية، وتوجه الحكومة مباشرة للمحافظات المشار إليها وتعاملها مع شيوخ العشائر والوجهاء جعل القائمة العراقية تشعر بأنه لا بساط الآن تحت قدميها. إن القائمة العراقية وقياداتها ارتكبت أخطاء كثيرة وكبيرة وهو ما يتطلب إعادة النظر قي تشكيلتها ورئاستها والشخصيات الموجودة فيها حاليا، وخاصة أن انتخابات مجالس المحافظات قريبة جدا، وإن بقيت القائمة العراقية بهذا الحال فإنها ستخسر المزيد وأكثر من المتوقع بحكم الأداء الرديء جدا لقادتها وتفككهم الذي بدا واضحا في كل أزمة سياسية، ولا بد هنا أن نشير إلى أن المواطن العراقي بدأ يشعر بأن القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي، وهي زعامة بدأت تتلاشى تدريجيا، بدأ المواطن يشعر بأن هذه القائمة لا تمتلك برنامجا بقدر ما تمتلك شخصيات تبحث عن منصب حكومي مهما كان، وهي في الوقت نفسه بدأت تصرفاتها تشكل عبئا كبيرا على سكان المحافظات الغربية من العراق الذين اكتشفوا أن زعماءهم الذين انتخبوهم لا يمثلونهم بالشكل الصحيح ولهم أكثر من اتجاه يتعارض ومصالح الناخبين.

لهذا وجدنا أبرز قيادات القائمة العراقية (صالح المطلك وأسامة النجيفي) يعمدان في توقيت واحد إلى تصفير كل الأزمات مع المالكي والشروع في الحوار الذي رفض أكثر من مرة من قبلهم، لكنهم اليوم يجدون فيه ما يشبه الهدنة التي يحتاجون إليها، لعل الحوار يعيد بعض البساط إليهم، لكنه في كل الأحوال لن يعيد ثقة الناخبين لهم.