هيكل.. الفنان الحروفي

TT

لست ممن يقرأون ما يكتبه محمد حسنين هيكل، وما أقرأه منه لا يتجاوز الفقرات الأولى قبل أن أضع المقالة جانبا. بيد أن أحد الزملاء بعث لي بمقابلته التي نشرتها «الأهرام». قرأتها احتراما لزميلي هذا. تبينت منها أن الصحافي الكبير فعل ما يفعله المسنون في شيخوختهم، وهو أن ينصرفوا إلى هواية من الهوايات. فهنا وجدت في المقابلة رساما تجريديا حروفيا. رسم لوحة فنية للربيع العربي، خطوط طول وعرض. خط إسلامي إسلامي، وخط سني شيعي، ورسم حروفي من حرف الكاف ينطلق من عكا وكركوك. تسريحة خيال جميلة لا ينقصها غير الألوان.

إنها نسخة جديدة - يقول - لسايكس بيكو لتقسيم العالم العربي تقسيما جديدا. وكله انطلاقا من هذا الربيع العربي الذي خطط له الأميركان والغرب وإيران والجميع إلا العرب.

لقد سبق لي أن أبديت تحفظاتي حيال الربيع العربي، وبالطبع اعتراضي على الإخوان المسلمين وكل من يسعى لتسييس الدين وربطه بالدولة والحكم. ولكن الدرس من الربيع العربي له أبعاده المهمة. أولا أنه كشف للجميع أن من كانوا يحكمون دول الربيع العربي كانوا شلة من اللصوص وهربوا ثروة البلاد للخارج، لمنفعة البنوك الأجنبية. أكثر من ذلك، فرض على الدول الأجنبية والمجتمع الدولي مراعاة الشفافية والكشف عن هذه الودائع والمشاركة في محاربة الفساد كداء لا ينخر في عظام شعوب العالم الثالث وحسب، بل كل شعوب العالم. في هذا الجو، سيصبح من الصعب على المسؤولين إعادة الكرة ونهب ثروة الشعب.

إنني مع الإخوان ومن على شاكلتهم في تسلمهم الحكم، لأنه أحسن فخ نوقعهم به، فبرنامجهم الديني غير قابل للتنفيذ. سيكون أمامهم طريقان لا ثالث لهما. إما أن يتخلوا عن هذا البرنامج ويصبحوا جزءا من العلمانية العالمية، وإما أن يتمادوا في الفشل فيسقطهم الشعب من الحكم وينتهي أمرهم.

يبدو لي أن هذه هي القراءة الغربية للربيع العربي وتسرعهم للاعتراف بحكم الإخوان. فأولا وآخرا، وصلوا إلى الحكم بإرادة الشعب وانتخابات حرة سليمة. ومن الجهل والظلم أن نجد في الموضوع مؤامرة غربية. كنا نلوم الغرب على دعم الديكتاتورية، والآن نلومهم على احترام الديمقراطية. هل من مقلب أكبر من ذلك؟

هناك موضة كريهة شائعة بيننا. تمثلت في قولنا: إذا رأيت سمكة تتحرك في البحر فاعلم أن الإنجليز وراءها. لا نستطيع أن نعترف بأي إرادة للمواطن العربي. إنه مجرد لعبة بيد الأجنبي. ومن هذا المنطلق نعتبر كل مصائبنا من فعلهم ثم نبرر لأنفسنا كل ما نقوم به من عمليات إرهابية ولا قانونية ولا أخلاقية بحجة أننا نرد على ما فعلوه بنا. انظر إلى كل ما يقوم به الكثيرون من اللاجئين العرب في الغرب من عمليات تزوير واحتيال وكذب وسرقات وتغرير بالنساء وتسويق مخدرات. انظر ثم اسمعهم يقولون لك: نفعل بهم مثلما فعلوا بنا!