العرب والثورات والتاريخ

TT

كنت أقرأ في «قادة تاريخيون كبار» للمفكر والقيادي الشيوعي السابق كريم مروه، فأخذت أتوقف عند المتغيرات، وهي كثيرة وعميقة عنده. رئيس الحزب الذي هاجم يوما الحبيب بورقيبة، يعيد الآن إليه الاعتبار، ناقلا عن الصافي سعيد، الذي وضع أهم سيرة «للمجاهد الأكبر».

ثم وجدت بحثا هادئا عن عبد الكريم قاسم، الذي لم يُكتب عنه شيء إلا سخرية. واكتشفت أن الحزب الشيوعي العراقي هو الذي حرضه على الأعناق، عندما رفع شعارات «اعدم. اعدم». وعرفت أن قاسم حارب في فلسطين، فتذكرت أن عبد الناصر حارب أيضا هناك.

ثم خطر لي أن أبحث؛ ألا يُحتمل أن يكون جميع ضباط المرحلة قد حاربوا في فلسطين أيضا؟ ونتيجة البحث المحدود تبين أن حسني الزعيم، صاحب أول انقلاب، وأديب الشيشكلي وسامي الحناوي، قاتلوا في فلسطين أيضا. أي أن القتال في فلسطين كان شهادة تكفي لإعطاء صاحبها الحق في الانقلاب والاستيلاء على السلطة.

إذا كانت ثورات القرن الماضي قد رفعت جميعها شعار فلسطين، فإن اسمها لم يرد في الثورات الحالية حتى من قبيل ضرورات السرد. فالعرب يقاتلون الآن في سيناء لتحريرها من مصر. والطائرات تدك مدن سوريا. والثورة التونسية منقسمة حول وضع المرأة التي ولدت بعد سيدنا آدم بقليل. وقد نصح نائب تونسي رئيس الجمهورية بالذهاب إلى مصح عقلي، لأنه قال بالمساواة بين آدم وضلعه، في حين أن مفكرا تونسيا بديعا كان قد كتب في الثمانينات أن اغتصاب المرأة يجب ألا يعاقب عليه.

باسم فلسطين قضي على الدول الطبيعية، وليس المدنية فقط. وبدل أن يتناوب العسكريون على البناء تناوبوا على استخدام الدبابات والاغتيالات والسجون، أولا ضد الأنظمة «البائدة» ثم ضد بعضهم. ورموا الناس في حالة طوارئ لم ترفع في مصر إلا قبل أشهر، ورفعت في سوريا لكي تحل محلها طائرات الـ«ميغ»، ورفعت في العراق بسبب حلول حكم دولة القانون الجميل والفائق الرعاية والحنان والتجرد الموضوعي.

هل العرب خارج التاريخ، كما استخلص المفكر هاشم صالح (عدد الأحد الماضي)؟ ربما. وإلا كيف تقول أكبر دولة عربية إنها لا تعرف من يقف وراء الحرب عليها في سيناء؟ بل لو كنا في التاريخ هل كان يجوز أن ننسى سيناء كل تلك السنين، كما قال علي سالم؟ هل نسينا سيناء فقط؟ أم نسينا أيضا فلاحي سوريا وعمالها الذين لهم نصف البرلمان، وليس لهم نصف رغيف؟