«الإخوان» وسيناء والتجربة الإيرانية

TT

لم يدم زواج شاه إيران محمد رضا بهلوي من الأميرة المصرية فوزية، أخت الملك فاروق، سوى عام واحد وطلقها في عام 1949، وهكذا كان حال العلاقة بين القاهرة وطهران في مائة عام متذبذبا بشدة بين حب وعداء، وهناك من يرى أن الحب الطويل بين «الإخوان المسلمين» في مصر والثورة الإيرانية موجود، ولم يثمر بعد عن علاقة سياسية، لكنه سينجب علاقة خاصة بين البلدين بتسلم الدكتور محمد مرسي الحكم.

ولا أحد من المهتمين يجهل العلاقة الخاصة بين «الإخوان المسلمين» عامة، وحركة «الإخوان» المصرية تحديدا، والنظام الإيراني. ومن مطالعات أدبيات «الإخوان» تظهر التجربة الإسلامية الإيرانية مثار إعجاب، وأخشى أن تكون الهادي لهم في تجربة الحكم الجديدة في مصر، لأنها ستقودهم إلى منحدر شديد، في حين أن خير تجربة لحزب إسلامي سياسي يريد النجاح والاسترشاد بها هي التجربة الإسلامية التركية، كونها الأكثر نجاحا وانسجاما مع تطلعات الثورة المصرية الجديدة، من حرية وتعددية.

ومن المبكر معرفة المشروع الإخواني في حكم مصر، إن كان هناك مشروع حقا، لكنهم بالتأكيد فازوا في الانتخابات شرعيا وبات من حقهم إدارة مصر في الطريق الذي يرونه مناسبا. أيضا، من الخطأ تبسيط الفوارق بين مصر وإيران، وبين «الإخوان» والخمينية. ولعل أهم ما حدث منذ انتخاب مرسي رئيسا، نجاحه حتى الآن في إلغاء المجلس العسكري الحاكم وتهميش قوى ميدان التحرير، وهذا يبدو مماثلا لما حدث في إيران بعد ثورة الخميني التي قامت بمناصرة قوى وطنية مختلفة، وبقبول من القيادة العسكرية القوية. استطاع آية الله الخميني إلغاء حلفائه، وانفراده بالحكم، تحت مسميات انتخابية لا ديمقراطية، واستطاع القضاء على المؤسسة العسكرية من خلال الحرب مع العراق، واختراع مؤسسات عسكرية وأمنية بديلة بناها على مدى سنوات الحرب الثماني.

هل نرى تشابها في انقضاض «الإخوان» على المؤسسة العسكرية المصرية العريقة حيث أرسل الرئيس مرسي المشير طنطاوي، الحاكم العسكري، إلى بيته وفي رقبته قلادة النيل!

طبعا، كلنا شاهدنا الأداء الهزيل للمشير طنطاوي وفريق المجلس العسكري في سنة كاملة من خلافتهم للمخلوع مبارك. كان واضحا أنهم بلا مشروع سياسي وفشلوا في قيادة القاطرة السياسية بعد الثورة.

ونحن الآن نرى الكثير من التهويل في قضية سيناء التي صورت على أنها تقصير عسكري مصري، في حين أنها في الحقيقة تجاوزات من جماعات دينية متطرفة، وبدل أن يدفع ثمنها «الإخوان» دفع الثمن الضحية، وهم العسكر، حيث إن جماعة دينية متطرفة هي التي باغتت وقتلت 16 عسكريا وليس العكس، وكادت أن تتسبب في مواجهة غير محسوبة مع إسرائيل.

وقرع الطبول في سيناء يعيد صدى قرع طبول الحرب ضد العراق من قبل النظام الخميني في بداية ثورته، واستخدامه الحرب لتعزيز سلطاته على مناحي الدولة باسم الدفاع عن الوطن لثماني سنوات، وبعد رضوخ الخميني لوقف الحرب كانت إيران كلها تحكم من قبل فريق توتاليتاري ديني واحد، وهذا الأمر، أي استخدام الفزاعة الإسرائيلية، يفيد «الإخوان» في تثبيت حكمهم داخليا، كما الفزاعة الإخوانية تناسب اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو أيضا، وتعطيه المزيد من السلطات والمزيد من الدعم الأميركي.

وإذا كان دليل التجربة الخمينية هو دليل «الإخوان»، فهذا يعني أنهم لا يرون ما نراه فيها من فشل مزمن في كل أهدافها المعلنة، من تصدير الثورة إلى التحول لقوة إقليمية ورقم سياسي صعب. التجربة الإسلامية الإيرانية تصلح نموذجا للفشل، ودرسا لكل القوى المتطلعة للحكم لتتحاشى استنساخه، وليس العكس. إيران تشبه أكثر كوريا الشمالية، ناجحة في الشق العسكري باقترابها من إنتاج سلاح نووي، لكنها فاشلة في كل مناحي الحكم الأخرى، وفوق هذا محكوم عليها بالسقوط. ثم إن مصر لا تشبه إيران، وثورة 2011 المصرية لا تشبه 1979 الإيرانية، عدا عن الفوارق الواسعة بين «الإخوانية» و«الخمينية»، حيث كان للثانية شعبية كبيرة في إيران مستمدة من جذورها الشيعية، التي تشبه الكاثوليكية في المسيحية، بمرجعية البابا وقدسيته، بخلاف الجذور السنية المصرية التي لا تؤمن بالمرجعية الواحدة، ولا بقداسة مرشد الإخوان، الذي لا قيمة له في حياة الإنسان المصري الدينية أو المدنية.

[email protected]