لن

TT

تتميز العربية بأدوات الحسم والقطع. والحسم لم يعد مقبولا دائما في أيامنا. وسوف أغامر لأقول إننا «لن» نعرف الاستقرار ما دام يستحيل علينا قبول الآخر. ولست أعني على الإطلاق، الآخر المختلف أو المخالف، دينيا أو مذهبيا أو عرقيا أو آيديولوجيا أو طبقيا أو اجتماعيا. وإنما الآخر الذي هو منا ومثلنا ثقافة ومنشأ وعقيدة وعرقا وطبقة. هذا لم نتعلم بعد أن نقبله. لا أحد ولا شيء خارج الأنا أو ما يجاورها. لذلك جُيِّرت الأحزاب إلى العشيرة لا إلى الوطن. وتحولت إلى قبائل باسم الثورة. من كان خارج الحزب الحاكم في مصر والعراق وسوريا واليمن، كان خارج الحقوق. وأول ما يفعله الواصل إلى السلطة ترتيب الحزب على شكل عشيرة. حماية الرئيس ليست في دولته، بل في عشيرته. أول ما هدد به القذافي «المزنوق» هو العودة إلى قبيلته لا إلى مريدي «النظرية الثالثة» التي تجاوزت شعبيتها العالم أجمع بجميع نظرياته.

معروض علينا في سوريا اليوم، التقسيم. دع شعار الرسالة الخالدة جانبا. إما يكون لي الأبد أو لا يكون شيء لأحد. قبل أن تبلغ الشعوب العربية مرحلة القبول ببديهيات التمدن، سوف يتحول كل متغير طبيعي إلى زلزال غير طبيعي. هدد الرئيس السوري بتفجير المنطقة والعالم إذا اهتز حكمه. والإصلاح الذي رد به على طالبيه يقضي ببقائه حتى عام 2028. وبصرف النظر عن الحالة الحياتية في البلاد دعا إلى انتخابات «عامة» لها «مجلس شعب». لا يستند في ذلك إلى رؤيته للإصلاح، بل إلى نحو مليوني شخص كانوا ينزلون إلى الشوارع متظللين علمه ورايته.

هؤلاء كانوا يشعرون بأنه ما دام الحريق في الأرياف فما علاقة المدن؟ قبض المصريون على ميدان التحرير قبل أن يفككه الأمن إلى مربعات يسهل القبض عليها. وسارع الغرب إلى حماية بنغازي قبل أن يمحوها الأخ العقيد بالطائرات والدبابات التي دكت فيما بعد مصراتة وغربان والزنتان وسواها.

صدق العقيد اللافتات التي رفعها. وخدعه صمت الليبيين الذين بدوا مرتاحين إلى يوم يحل فيه سيف محل معمر. حرام أن نتذرع بالخوف والرعب في السكوت أربعين عاما على رجل يعلن الحرب على سويسرا بسبب سلوك ابن فالت وزوجته اللبنانية التي أصيبت كلابها بالمغص.

ما لم تقم أنظمة ومؤسسات ومدارس تقبل أن هذه الأرض لها وغيرها، سوف نظل نحصد ما رأينا من أهوال ترتكب في سبيل رجل واحد. كثيرون من ضباط هتلر حاربوا لأنه الرجل الذي يضمن استمرار الحروب. لن تتغير حياتنا ما لم تتغير إنسانيتنا. على الأقل أن نقبل الآخر الذي فينا.