قلق لافروف

TT

تأكيد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في هلسنكي أن الوضع في سوريا «يثير القلق» في ظل «عدم التوصل إلى اتفاق بين الشركاء في مجلس الأمن الدولي» على معالجته، يبدو أقرب إلى نعي للدور الروسي في الأزمة أكثر مما هو دعوة إلى إخراج المساعي الدولية للتسوية من مأزقها في مجلس الأمن.

إذا كان لافروف تجاهل بمهارته الدبلوماسية دور «فيتو» بلاده في إفشال كل محاولات مجلس الأمن للتوصل إلى حل معقول للأزمة السورية، فإن ملاحظته أن «الفرصة ستتوفر» لإيقاف العنف في سوريا «إذا ما طلبت أطراف النزاع كافة بدء المفاوضات حول تشكيل حكومة انتقالية»، توحي بأن مقاربة موسكو للنزاع السوري ما زالت متأخرة سبعة عشر شهرا عن مواكبة الأحداث.

بعد أسابيع قليلة من اندلاع الثورة في سوريا ويوم لم تكن الدماء السورية قد سالت بهذه الغزارة ولا المجازر ارتكبت بهذه الرتابة الروتينية، حاولت موسكو بنفسها جمع «أطراف النزاع» للاتفاق على تشكيل حكومة وطنية... وفشلت آنذاك لأن همها الأول كان الحفاظ على نظام الأسد في أي تسوية مقترحة.

أن تعود اليوم إلى هذا الطرح، وبعد انقضاء سبعة عشر شهرا على انتفاضة شعبية أصبحت تسيطر على ثلثي الأراضي السورية، فذلك لا يعني أن موسكو لا تملك «جديدا» في موقفها من المأزق السوري بقدر ما يعكس قناعتها المبطنة بأن إنقاذ نظام الأسد من الانهيار بات مرهونا، أكثر من أي وقت مضى، بقرار المعارضة السورية، وهي قناعة ترقى إلى مصاف الاعتراف الضمني، والمتأخر بأن «الحل الأمني» الذي يلتزمه نظام الأسد في مواجهة الثورة لم يعد مجديا، وأن الشعب السوري لا تمكن معاملته كما يعامل «الانفصاليون» الشيشان في روسيا.

لو كانت موسكو تأمل فعلا قبول المعارضة السورية، أو بعض فصائلها على الأقل، «مشاركة» نظام الأسد السلطة تحت شعار «الحكومة الانتقالية» لبدأت بتليين موقفها من الأزمة في مجلس الأمن، فتكتفي بالامتناع عن التصويت على قرارات الأكثرية عوض اللجوء إلى «الفيتو» لإحباطها.

مجرد فشل المبعوث الدولي - العربي كوفي أنان، في مهمته الوساطية في دمشق، ورفضه متابعة هذه المهمة، مؤشر كاف على أن مرحلة «التسوية» التفاوضية للنزاع السوري تجاوزتها الأحداث التي تتجه، بفضل تشبث الأسد بالسلطة مدعوما بالفيتو الروسي والصيني، نحو الحسم العسكري، وهي أصلا المقاربة التي اعتمدها النظام السوري في مواجهة المعارضة.

وفي هذا السياق يبدو التخلي السريع عن اقتراح تشكيل حكومة سورية في المنفى – بعد أن روجت له بعض فصائل المعارضة السورية في الخارج – تأكيدا آخر على أن مرحلة التفاوض السياسي على مصير النظام لم تعد واردة بعد أن تخضبت أرض سوريا بدماء أكثر من عشرين ألف قتيل وجريح وشهدت نزوح مئات آلاف من المواطنين، وعانت مدنها وبلداتها من تدمير ممنهج ومتواصل حتى الآن.

من هنا مبرر التساؤل عن جدوى «تكرار» سيناريو وساطة كوفي أنان عبر دبلوماسي عربي لا يشك أحد في قدراته التفاوضية في وقت بات فيه منطق الأحداث نفسها يستبعد أي تسوية تفاوضية للنزاع.

لا جدال في أن هم روسيا الأول هو المحافظة على مصالحها الاستراتيجية في سوريا، واستطرادا نفوذها في الشرق الأوسط، بعد أن أصبحت سوريا آخر «صديق» متبق لها على سواحل حوض البحر الأبيض المتوسط.

ولكن في أعقاب التطورات الميدانية الأخيرة، وبعد أن طالت حركة الانشقاق عن النظام أعلى مستويات السلطة، وبعد أن وصلت «فاتورة» دعم النظام إلى المليار يورو في الشهر - وفق ما أكده وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس – بات على روسيا أن تستعد لمواجهة المزيد من عوامل «القلق».. على مصالحها ونفوذها.