خاتمي والجدل الإيراني الكبير

TT

على مدار معظم فترات شهر رمضان المعظم، شن إعلام طهران الذي يتبع «المرشد الأعلى» علي خامنئي حملة تشويه ضد الرئيس السابق محمد خاتمي، وهي ليست المرة الأولى التي يطلق فيها خامنئي العنان لغضبه من خاتمي، فقد سبق اتهام الرئيس السابق بالتحالف مع المتآمرين الماسونيين و«الصهاينة» الذين يحاولون إسقاط النظام الخميني. إلا أن الأمور مختلفة هذه المرة، وذلك لثلاثة أسباب على الأقل.

السبب الأول هو أن الاتهامات لم تعد تتعلق بالخلافات السياسية، بل أصبحت تركز على شخص خاتمي نفسه، حيث يتم تصويره على أنه إنسان «جبان» ورجل لديه طموح غير محدود قد يفعل أي شيء كي يستعيد جزءا من السلطة. ثانيا: إن جميع خصوم النظام تقريبا هذه المرة قاموا بترديد الاتهامات، مما يخلق انطباعا بأن خاتمي مرفوض من جانب جميع أطياف الرأي الإيراني.

وأخيرا، وعلى عكس الادعاءات التي يسوقها إعلام طهران، فإن خاتمي هذه المرة يقدم تحليلا يستحق الاهتمام، حيث يثير موضوعين؛ الأول هو أن النظام ما زال قادرا على الإصلاح من خلال تطبيق الدستور المعمول به، وبالتالي فهو يقترح أن توجد معارضة موالية لا تسعى إلى تغيير النظام نفسه بل إلى إحداث تغيير داخل النظام. والموضوع الثاني الذي يثيره خاتمي هو أن السبب الذي جعل إيران في أزمة هو ضعف قيادة الرئيس محمود أحمدي نجاد. وبناء على هذا التحليل، فإن خاتمي يريد من العناصر «الإصلاحية» داخل النظام أن تتوحد حول مرشح رئاسي في شهر يونيو (حزيران) المقبل.

ويتفق الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، الممنوع من الترشح بسبب تجاوزه السن القانونية، مع تحليل خاتمي، كما وجدت آراء خاتمي صدى إيجابيا لدى وزير الداخلية الأسبق عبد الله نوري، الذي ما زالت سنه تسمح له بالترشح للرئاسة. وإذا قام الثلاثة بجمع إمكاناتهم وتعبئة قاعدة التأييد التي يتمتعون بها، فقد يتمكنون من إيجاد معارضة موالية ذات تأثير.

ولا توجد حاجة إلى إهدار الوقت على كتيبة خامنئي الإعلامية، فهي بإيثارها لتوجيه الاتهامات الشخصية على الطريقة الستالينية أخرجت نفسها من دائرة النقاش الجاد، غير أن آراء من هم داخل المعارضة وانضموا إلى كورس الاتهامات ضد خاتمي تستحق التعليق عليها. فقد أعلن مير حسين موسوي ومهدي كروبي، المرشحان اللذان لم ينجحا في الانتخابات الرئاسية الماضية، رفضهما المشاركة في الانتخابات التي ستجري في شهر يونيو (حزيران) المقبل. ونظرا لوجود كلا الرجلين رهن الاحتجاز، فإن الآراء التي تنسب إليهما قد لا تعكس توجهاتهما بدقة، غير أنه من الواضح أن لديهما شكوكا حول تحليل خاتمي. وهكذا فإن الكتلة الرئيسية مما يتصور خاتمي أنه المعارضة الموالية المستقبلية للنظام تبدو معادية لآرائه.

وهنا يوجد لدينا مزيج من الجماعات التي شاركت في أحداث ثورة 1978 - 1979 التي أوصلت الملالي إلى السلطة، ومن بينها كثير من الأحزاب اليسارية، وبقايا حركة مصدق، وجماعات تمثل الأقليات العرقية، وعناصر الطبقة الوسطى التي كانت تحلم بالثورة كطريق إلى المزيد من الحرية. وخلال السنوات الخمس الماضية، فر مئات المسؤولين الخمينيين السابقين إلى أوروبا والولايات المتحدة، ومن ثم أصبحت لدينا عناصر من رجال الدين والحرس الثوري والتكنوقراط الخمينيين يطوفون العواصم الغربية ويتحدثون عن الإصلاح داخل أرض الوطن والصداقة مع الولايات المتحدة.

ولكن هل يستطيع من احتلوا مناصب في هذا النظام أن يدعوا أن الانتخابات التي فازوا بها هي وحدها التي كانت سليمة ونزيهة؟ اعتقادي هو أن قسما جيدا من القاعدة المؤيدة لأحمدي نجاد بدأ يتأهب للانضمام إلى خيبة الأمل الثورية الغامضة هذه.

وقد رفضت الكتلة الرئيسية من المعارضة الحقيقية للنظام - أولئك الذين يحاولون إسقاطه - موقف خاتمي الأخير باعتباره غير ملائم، وردد البعض اتهامات شخصية ضد خاتمي بأن وصفوه بأنه «انتهازي» أو «منافق». وأنا لا أظن أن خاتمي منافق، أما فيما يتعلق بكونه انتهازيا، فإن هذا لن يكون مستغربا بالنسبة لسياسي محترف.

ويطرح خاتمي كثيرا من الأسئلة الجوهرية؛ أولها هل يستطيع المرء إجراء انتخابات تتمتع بالمصداقية داخل النظام الخميني؟ إنني لا أشك في إخلاص خاتمي، لكنني أخشى من أن يكون أسيرا للأمنيات، فالنظام لم يجر أبدا أي انتخابات ذات مصداقية، هذا إن لم يكن يختار المرشحين مسبقا. ربما كانت الانتخابات الخمينية تتمتع ببعض الأهمية لأنها كانت تعبر عن توازن القوى داخل النظام، غير أن هذا الاهتمام تلاشى بعد الانتخابات الأخيرة، وأصبحنا نعلم الآن أن خامنئي يقرر من يفوز.

والسؤال التالي هو هل يمكن أن تعمل معارضة موالية بأي طريقة لها معنى؟ هذه المشكلة لها جانبان، فخاتمي والآخرون في هذه المعارضة الموالية المزعومة يجب أن يقبلوا بنتائج الانتخابات التي يشرف عليها النظام حتى إذا خسروا، وهم لن يفعلوا ذلك. ومن الناحية الأخرى، فإن من يفوزون في الانتخابات لا يسمحون بأي مساحة للخاسرين.

بعد ذلك يأتي سؤال آخر: هل يستطيع المرء إصلاح النظام بتغيير جزء من أفراده؟ إجابتي هي لا، على الرغم من اعترافي بأن تغيير الأفراد في بعض الأحيان قد ينتج عنه تأثير الخداع البصري، ففي الاتحاد السوفياتي السابق، لم يكن نيكيتا خروشوف متعطشا للدماء مثل ستالين أو غبيا مثل مالينكوف.

السؤال الرابع هو هل إيران في حاجة إلى تغيير داخل النظام أم تغيير للنظام؟ إجابة خاتمي هي نعم، أما أنا فأقول لا. بالطبع إذا أمكن إجراء تغيير داخل النظام، فإن إيران قد تخرج من أزمتها التاريخية بشكل أسرع وبتكلفة أقل. إلا أنه ليس ممكنا، فمفهوم «ولاية الفقيه» العبثي هو النقيض لحرية الاختيار التي تنطوي عليها أي ممارسة انتخابية ذات مصداقية، أي أن النظام الخميني مقام على أسس معيبة. وهناك مثل فارسي يعبر عن ذلك تعبيرا بارعا: عندما يوضع قالب القرميد الأول في وضع مائل، فسوف يرتفع الجدار في وضع مائل حتى يصل إلى النجوم.

والطريقة الوحيدة للخروج من المأزق التاريخي الذي أوجده الخميني هو تغيير النظام، فقد أضاع خامنئي إمكانية التغيير الضئيلة التي ربما كان النظام يمتلكها في يوم من الأيام، وأصبح هو أيضا سجين نظام أعد لضمان البقاء في السلطة عن طريق العبث. ومنذ 5 سنوات، ذكرها أحمدي نجاد صريحة: قطارنا ليست له مكابح ولا يمكنه العودة إلى الوراء. نحن فقط ننطلق إلى الأمام.

تغيير النظام أم التغيير داخل النظام؟ إن الجدل الكبير يجب أن يحدث، وسوف تظهر الأشهر القليلة المقبلة أي هذين التحليلين المتقابلين أقرب إلى الواقع.