الخليجي الكسول!

TT

فاجأتني كما فاجأت كثيرين الدراسة التي أظهرت أن الخليجيين هم أكثر الشعوب كسلا، إذ حلت السعودية ثالثا في القائمة، ثم الكويت سابعا، فالإمارات تاسعا، وفق معيار حسابي يظهر نسبة الخمول بعد دراسة النشاط البدني المبذول. وتكمن أهمية هذه الدراسة في أنها استندت على بيانات منظمة الصحة العالمية وأشرف عليها متخصصون. وعرف لنا فيها الباحثون سلوك الكسل أو الخمول بتلك الشريحة من الناس التي لا تواظب على أي نوع من الأنشطة التالية وهي: ممارسة 30 دقيقة من النشاطات الاعتيادية كالمشي الخفيف لخمس مرات أسبوعيا، أو قضاء نحو 20 دقيقة من النشاطات التي تتطلب مجهودا بدنيا كبيرا لمدة ثلاث مرات يوميا، أو دمج كل من هذين النشاطين السابقين.

ما يهمني في الدراسة التي دقت ناقوس الخطر أنها تتحدث عن ثلاث دول خليجية يشكل سكانها نحو 93 في المائة من سكان الخليج (39 مليونا من أصل 42 مليون نسمة). وكانت المفارقة أن دولة متقدمة مثل بريطانيا حلت في المركز الخامس، وهو دليل آخر على أن المشكلة ليست في أن المواطن الخليجي كسول بطبعه، فهو الذي كان حتى عهد قريب يمخر عباب البحر بسفنه بحثا عن اللؤلؤ والتجارة، وهو الذي شق البوادي والقفار سعيا للقمة العيش وحياة أفضل، لكنها الحياة المدنية الرغيدة التي غيرت حال الإنسان الخليجي، الأمر الذي يتطلب أن تضع الحكومات ضمن برنامج عملها حلولا لهذه المشكلة التي تهدد حياة الفرد الذي هو أصل أي تنمية بشرية. والمعضلة أن هذه الدراسة، التي نشرتها صحيفة «الوطن» السعودية، تعززها دراسات أخرى إحداها أكدت أن 65 من الخليجيين مصابون بالبدانة. وأخرى وضعتهم في طليعة قائمة المصابين بمرض السكري.

هناك حلول سريعة يمكن أن تقوم بها أي حكومة للمساهمة في الحفاظ على العنصر البشري وتقليل المبالغ التي تنفق على علاجه، وهي بتخصيص صالات أو ملاعب رياضية مكيفة في معظم الأحياء السكنية، يسهم فيها القطاع الخاص بإعلاناته أو دعمه، وقد أنشأت حكومة الكويت منذ سنوات ممرا للمشاة حول كل منطقة سكنية حف بشجيرات صغيرة وكراس وبرادات للماء ورسم على أرضياته عدد الكيلومترات المقطوعة. كما اجتهد القطاع الخاص بتوفير ملاعب خضراء تتزايد ولا تكاد تخلو منها الأحياء السكنية وهي محجوزة طوال العام. وجميل أن ترصد الدول الخليجية ملايين الدولارات لتنفقها على مسابقات الأنشطة الرياضية المفيدة غير المسابقات المعتادة التي يكون فيها الشعب في مقاعد المتفرجين فقط، كل ذلك يسهم في محاولة الحد من تسكع «بعض الشباب» في الطرقات والأسواق العامة. ومن شب على الرياضة شاب عليها.

الرياضة لم تعد هواية أو ترفا، بل حاجة ماسة للحفاظ على ديمومة وسلامة العنصر البشري لينتج وهو بكامل صحته ولياقته. كما أن ضيق الوقت لم يعد شماعة يعلق عليها الغربيون أعذارهم، إذ أذكر أنني دخلت في الولايات المتحدة، أكثر من ناد رياضي وسط الأحياء المالية (في سنوات متباعدة) وقد امتلأ عن آخرها برجال الأعمال والموظفين في أثناء فترة استراحة الغداء! ليس لسبب سوى أن هذه الشعوب تقدر قيمة الصحة والعافية، وتأخذ بأسبابها التي فرط فيها أفرادنا وحكوماتنا إلا من رحم ربي.

[email protected]