رسالة ملك المغرب

TT

الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس أول من أمس بمناسبة ذكرى «ثورة الملك والشعب» يستحق منا التأمل الشديد والدراسة العميقة.

خطاب العاهل المغربي هو خطاب سياسي بامتياز على الرغم من أنه لا يدور حول الملفات السياسية التي اعتادت الأنظمة العربية أن تركز عليها مثل قضايا الأمن، أو التنمية، أو الصراعات السياسية، أو انتقاد المعارضين والخصوم في الداخل والخارج.

ركز خطاب الملك على كيفية نهوض المجتمع المغربي وإحداث نقلة نوعية فيه من خلال التركيز على تطوير التعليم الذي يمكن أن يؤدي إلى «تمكين الشباب من تطوير ملكاتهم واستثمار طاقتهم الإبداعية».

وتوقفت طويلا أمام عبارة العاهل المغربي التي قال فيها: «إن تطوير التعليم لا يتعلق بتغيير في البرامج أو إضافة مواد وحذف أخرى، ولكن المطلوب تغيير يمس نسق التكوين وأهدافه مما يحول المدرسة من مكان لشحن الذاكرة ومراكمة المعارف إلى منطق يتوخى صقل الحس النقدي وتفعيل الذكاء للانخراط في مجتمع المعرفة».

في اعتقادي ويقيني أن العاهل المغربي وضع يده على أزمة الأزمات وآفة الآفات في إشكالية العقل العربي، تلك هي مسألة التعليم.

التعليم في بلادنا منذ أكثر من نصف قرن يقوم على النقل وليس العقل، وعلى التلقين وليس الفهم، وعلى الحشو المعلوماتي وليس العمق المعرفي.

هذا التعليم الذي اغتال شخصية الطالب، وكبت فيه القدرة على الحس النقدي والقدرة على قبول الرأي والرأي الآخر، خلق من أجيالنا «عبيدا» لفكرة واحدة لا تقبل غيرها، ولا تملك الشجاعة على مقارعة الفكرة بالفكرة المضادة، ولا الاجتهاد إزاء الرأي برأي آخر مضاد.

هذا التعليم السيئ خلق مناخا سياسيا أسوأ منه، وهذا الفهم المغلوط خلق حالة عقلية مشوشة وملوثة بالشك وعدم القدرة على قبول الرأي الآخر، أو على الأقل استيعابه ومحاولة تفنيده وقبول ما هو مناسب، والاختلاف مع ما نراه لا يوافق أفكارنا وهويتنا.

تحولنا إلى أمة لا تعرف إلا الرأي الواحد، وبالتالي تحولنا إلى مجتمع أحادي غير قابل للتفاعل والجدل الإيجابي الذي يؤدي في النهاية إلى تحقيق التطور والتغيير.

وبدلا من أن يؤدي نظامنا التعليمي إلى الفكر الإصلاحي أدى بنا إلى مرحلة الانفجار الشديد القائم على المعاناة أكثر مما هو قائم على الرغبة في التغيير.

أصبحنا ندمن الرغبة في «الإسقاط» دون أن يكون لدينا الوعي اللازم «للإصلاح»!