حكايتي مع الملكة نفرتيتي لازم ترجع ()

TT

بمجرد ظهور الرأس البديعة للملكة نفرتيتى وعرضها لأول مرة بمتحف «برلين» عام تم فتح تحقيق عاجل في مصلحة الآثار المصرية، التي كان يديرها منذ إنشائها وحتى ذلك الوقت علماء مصريات فرنسيون؛ وبعد الاطلاع على ملفات حفائر الألمان في تل العمارنة وكشوف القسمة بين المتحف المصري والبعثة الألمانية في فبراير (شباط) ، الذي تم على أساسها اقتسام الآثار بين مصر وألمانيا تم التأكد من واقعة الغش والخداع التي دبرها مكتشف الرأس لودفيج بورخارد لإخفاء رأس نفرتيتى عن أنظار المفتش العام والقائم بأعمال القسمة جوستاف لوفيفر بعد التأكد من أحقية مصر في عودة ملكتها الجميلة نفرتيتى تم إرسال خطاب شديد اللهجة إلى الحكومة الألمانية تطلب فيه الحكومة المصرية عودة رأس الملكة نفرتيتى فورا إلى مصر وإلا سيتم وقف كل البعثات الأثرية الألمانية من العمل في مصر، ونظرا للهجة العنيفة في الخطاب المرسل في سنة تدخلت الدبلوماسية بين الطرفين وعقدت الاجتماعات وانفضت دونما عودة الرأس إلى مصر أو وقف الأنشطة الأثرية الألمانية في مصر. وفى عام تقدمت الحكومة المصرية بطلب رسمي باستعادة رأس الملكة نفرتيتى وتعويض ألمانيا في المقابل بأي قطع أثرية أخرى يتم الاتفاق عليها، وبالطبع لم توافق ألمانيا على هذا الطلب ونصحت مصر بنسيان موضوع عودة نفرتيتي؛ وكان هذا تعبيرا قويا عن منطق وصلف الدول الاستعمارية الكبرى في ذلك الوقت والذي لا يزال له رواسب باقية إلى يومنا هذا في التعامل بين الدول بعضها البعض

لم يأخذ المصريون بالنصيحة وتقدموا مرة أخرى بطلب إلى حكومة ألمانيا في عام وذلك بعد أن تضامن معهم بعض كبار الشخصيات الألمانية وعلى رأسهم هرمان جورينج مؤسس الـ«جستابو» وقائد القوات الجوية خلال الحرب العالمية الثانية وأحد أبطال الحرب العالمية الأولى؛ وكان على علاقة جيدة بالمصريين ويدعم حق مصر في عودة ملكتها، واستطاع إقناع هتلر في بادئ الأمر بأهمية عودة رأس الملكة نفرتيتى إلى وطنها مصر وبالفعل وافق هتلر في البداية، وبعد أن رأى الرأس الجميلة وقع أسيرا لجمال نفرتيتى ورفض عودة الرأس وأرسل إلى مصر خطابا يعد فيه بحسن معاملة الملكة نفرتيتى في ألمانيا، وأنه قرر إنشاء متحف خاص بها. وكما سبق وذكرنا من قبل أن مصر حاولت في عام حث الجيش الأميركي على منحها الرأس بعد عثورهم عليها في منجم قديم للملح، ولكن الأميركان يرفضون هذا الطلب ويقومون بتسليم الرأس سنة إلى حكومة ألمانيا الغربية

يخبو حماس مصر في عودة رأس الملكة نفرتيتى وذلك بعد تحول نظامها إلى الجمهوري بعد ثورة ، والتي لم تسع إلى الدخول في أي مشكلات دبلوماسية مع دول العالم الخارجي، وكان بالفعل لديها ما يكفيها من مشاكل مع دول كبرى تحاول استمرار نفوذها على مصر وخاصة إنجلترا وبعد أن قام عبد الناصر بإهداء كثير من آثار الفراعنة إلى ملوك وملكات ورؤساء كثير من الدول ومنها معابد أثرية كاملة؛ إما بدعوى دعم العلاقات مع هذه الدول الصديقة؛ أو تحية وشكر لمساعدتها مصر في إنقاذ أثار أبو سمبل من خطر الضياع أسفل مياه بحيرة ناصر، لم يكن من المنتظر أن تطلب مصر في عهدة عودة رأس نفرتيتى ولم يتغير الحال كثيرا في عصر السادات حيث استمرت سياسة إهداء قطع أثرية إلى ملوك وملكات ورؤساء العالم بل ولبعض الشخصيات العامة المقربة إلى الرئاسة وخلال عصر الرئيس السابق مبارك؛ وعلى الرغم من أنه لم يهد أي أثر إلى رئيس أو زعيم، فقد بدأ عهده بقوله إن رأس الملكة نفرتيتى هي خير سفير لمصر في ألمانيا؛ وبمجرد أن تم تعييني في عام أمينا عاما للمجلس الأعلى للآثار في مصر بدأت في إحياء ملف الملكة الجميلة نفرتيتى من جديد وفى الأسبوع المقبل بإذن الله ننهى الحكاية.