ليتني كنت فراشة

TT

مشكلتي مع الأكل مشكلة شبه مستعصية، لهذا ظللت طوال عمري نحيفا (معصعصا) مغلوبا على أمري، وكأني خارج من مجاعة، لأنني حذر جدا في اختيار نوع أكلي، فلا يعجبني العجب، ولا أغامر بأكل طعام لا أعرفه، (فنفسي في رأس خشمي)، وأكثر أيامي أقضيها شبه صائم.

وأذكر أنني التقيت يوما في أحد الفنادق رجلا كبيرا قدرا ووزنا وسنا وحجما، كان لتوه خارجا من بوفيه مطعم الغداء، وما أن شاهدني حتى نصحني بتناول نوع من (الربيان) ملفوف عليه لحم مقدد، قائلا لي: إنني لم آكل سواه من شدة لذته، فلا يفوتك، وعندما دخلت إلى المطعم اكتشفت أن اللحم الملفوف على الربيان هو لحم خنزير.

فغلبتني كالعادة (لقافتي) فصعدت فورا إلى جناحه وأخبرته عنه - ويا ليتني خرست ولم أفعل ذلك - لأن وجه الرجل بعد ذلك انقلب وذهب فورا يتوكأ على عصاه إلى الحمام وأفرغ كل ما في بطنه وكاد يغمى عليه ويسقط على الأرض لولا أن تداركناه وسحبناه ومددناه على السرير، وطلبنا له الطبيب، وأصبح طريح الفراش لمدة أسبوع.

وأذكر أن ابنه انتحى بي جانبا وأخذ يقرعني على حماقتي وتسرعي، وأنهى كلامه بتهديدي، وتوعدني بأوخم العواقب لو أن مكروها حصل لوالده، وأخذت طوال أسبوع كامل أدعو لوالده كل ليلة بطول العمر، والحمد لله أن ربي استجاب لدعائي.

والذي ذكرني بهذه الحادثة هو مقال قديم للرحالة الكويتي الدكتور عبد الرحمن السميط، عندما كان مع جماعته في أحد مجاهل أفريقيا وعندما هدهم التعب والجوع، أرسلوا أحدهم ليأتي لهم بسمك ليشووه، وذهب للبائع وتحسس أنواع السمك في الظلام وأعجبته قطعة ضخمة واشتراها وأحضرها وأكلوها، ويقول: لاحظنا أن طعمها كان غريبا بعض الشيء، وفي الصباح سألنا البائع عن ماهيتها وصعقنا عندما قال: إنها أفعى من نوع (الكوبرا)، وطولها عدة أمتار، وقبل يومين ابتلعت (معزة)، وهاجمها الرعاة بالحجارة والعصي واستطاعوا أن يقتلوها وبقي جزء من المعزة عالقا في فمها، واشتريت الأفعى وقطعتها وأخذت أبيعها، واحمدوا ربكم أنكم حصلتم على قطعة منها، فهي مرغوبة جدا لأنها مقوية (للباءة). انتهى.

وقبل سنوات في جدة ذهبت لأحدهم في استراحة له على البحر، وكان مجموعة من العمال الصينيين يرصفون عنده ممرات الاستراحة، وفي المساء لاحظت أنهم يطبخون لهم (سلحفاة)، وعندما لاحظ أحدهم استغرابي قال لي وهو يضحك: إننا نأكل كل شيء له أرجل ما عدا الطاولات والكراسي، ولم أجبه وتركته منقلبا على أعقابي محافظا على أرجلي.

وللمعلومية فأكثر الكائنات شراهة هو (جرذ الحصاد) حيث إنه لو بقي 3 ساعات فقط من دون أكل سوف يهلك جوعا، ومجموع ساعات أكله في اليوم الواحد هي 22 ساعة.

أما أقل الكائنات أكلا فهو نوع معين من الفراشات، فهي تأكل وتشبع وتتخم في شرنقتها، ولكنها عندما تخرج وتحلق بأجنحتها الملونة الرقيقة لا تأكل أبدا، صحيح أنها لا تعيش أكثر من أربعة أشهر، ولكن كل تلك الأشهر تظل مفعمة بالطيران بين الأزهار والأعشاب ولا يشغل بالها أي طعام.

يا ليتتني كنت فراشة - المهم العصافير المؤذية تبتعد عني، وتفكني من شرها.

[email protected]