أخلاق السمك

TT

تبدأ رواية «زوربا» بوصف ميناء «بيريوس» قرب أثينا، في ساعات الصباح الأولى. يصف كازانتزاكس الوجوه الناعسة والبحارة الملوحين بآثار الملح وأحزان المسافرين، ويلاحظ أن السمك هرب من الأمواج إلى ركن آمن على طرف الميناء.

يعيش لبنان في الموج مثل السمك. لكن ليس من يأخذ بيده إلى ركن آمن. أبناؤه يهددونه في وجهه ويطعنونه من خلف ظهره. لا مثال آخر يشبه هذه الحالة الانحلالية ونكران الجميل للأرض. الناس تعلن ولاءها علانية لشتى أنواع الخارج. الناس تسخر من الدولة وتحقر الوطن. الناس تستقوي جهارا بالخارج وتفاخر بذلك خلافا لأي شعب من شعوب الأرض.

أشعر بالخجل من العرب الآخرين عندما أشاهد لبنانيا على التلفزيون يهدد رئيس الجمهورية أو يحذر رئيس الوزراء. أخجل من المصريين الذين يشنون حربا إذا انتقدت طقس القاهرة أو فوضى مطارها. ومن الكويتيين الذين بحث صدام حسين عن بعثي يقبل برئاسة «القطر» فلم يجد.

كنت أعتقد أن الكويتيين يغالون في أناشيدهم وأغانيهم ومقالاتهم واحتفالاتهم لذلك الوطن الذي خلق بلا شجر وأنهر وجبال. لكنهم علمونا كم أن اللبنانيين صغار في حق بلدهم. ومن كان صغيرا في حق بلده فلا يمكن إلا أن يكون هزيلا في حق أمته. ولا موقع له فيها، لأن من ينكر أرضه لا يمكن إلا أن يكذب في أرض سواه.

تعامل الكويتيون مع بلدهم وكأنه أميركا. أنشدوه وأخلصوا له وذادوا عنه. غنته سعاد الصباح كأن نيرودا يغني رياح المحيط التي تلفح التشيلي. من أجل الكويت ناصروا صدام حسين ومن أجلها حاربوا احتلاله. لم تدعمه صحفها وأحزابها ونوابها. ولم يدس أهلها على أهلها. ولم يجد من يبيعه برقية تأييد ضد الدولة والأرض.

كنا نعتقد أن الكويتيين والمصريين لا يطاقون في العصبية لبلدهم. لكن الحقيقة أن اللبنانيين لا يطاقون في عدميتهم الوطنية ونفاقهم القومي. الشعوب تكد لإبعاد الحرب الأهلية وفي لبنان الدعوة مفتوحة والضمائر مغلقة.

لا أعرف مثالا مثل المثال الكويتي ولا شيئا مثل النموذج اللبناني. الكويتيون صنعوا الكويت، لا الجبال ولا الشجر. المصريون، لا النيل، صنعوا مصر. الشعوب التي يهون عليها وطنها يهون عليها كل شيء. وللتوضيح.. كل شيء. يبحث السمك عن ملجأ في قاع البحر خوفا من تلاطم الأمواج. وعندنا في لبنان نلحق بها أو ندعوها لزيارتنا. ومن تحمله أمعاؤه ليس عليه سوى حضور البرامج التلفزيونية ومشاهدة ما تنضح.