الخطة «ب» للأخضر!

TT

المثاليون من المراقبين العرب اعتقدوا أن ربيع العرب هو سمن وعسل للمقبل من الأيام، وأن الاستثناء العربي قد انتهى إلى غير رجعة، والباقي بعض الجيوب، فهو يحمل ثلاثية الحلم الذي انتظره العرب طويلا؛ الحرية والعدالة والتنمية. لم تكن توقعاتهم تحمل إلا النزر اليسير من الحقيقة. محاكمة في مصر للصحيفة التي تجرأت على انتقاد الحكم الجديد، وسحب البساط من حقوق تمتعت بها المرأة التونسية منذ زمن، هذان بعض الأمثلة. ما زال المتفائلون يعتقدون أن ذلك مقبول ما دام في حضن الخلاف السياسي القانوني، دون تدخل من الدولة المتسلطة، وتوسيع المعتقلات والسجون. الدولة المتسلطة تلفظ أنفاسها في سوريا، وليس لعاقل إلا أن يدين هذا «الهولوكوست» السوري، الذي يجري أمام أعين العالم؛ شعب يُقتل بالمدافع الثقيلة وبالطائرات والمروحيات، وينفذ في شبابه الإعدامات الميدانية.

الأخضر الإبراهيمي يجد نفسه أمام لون آخر من ألوان العنف السياسي الأعمى، هو في الحقيقة يبحث عن معادلة تكاد تكون مستحيلة. في أول تصريحاته، أغضب كلا من المعارضة والنظام في نفس الوقت، قال للأولى إنه ربما يكون من السابق لأوانه أن نتحدث عن إزاحة الأسد، وقال للثانية إن هناك حربا أهلية تجري في سوريا. هل كان المقصود من التصريحين بيان حجم المشكلة لكلا الطرفين؟ ربما. إن كان كذلك، فالإشارة تقع في إطار ما يسمى في السياسة «الحركة الذكية»، أما إذا كانت مصادفة، فلن يبنى عليها أي خطوات في المستقبل. قام النظام بشتم من يقول إن هناك «حربا أهلية» وهو يناقض نفسه، فقد أعلن بشار الأسد أن حربا تشن على سوريا، ولكنه يريد أن يتصورها حربا خارجية، وليست داخلية. بشار محاط بشلة (حتى الآن) تتزاحم أكتافها حوله مع شد القمصان. تمت إزاحة فاروق الشرع، بتحالف بين بثينة شعبان ووليد المعلم، ويحتدم الصراع بينهما الآن فيمن يمثل السياسة الخارجية! العملة التي فقدت قيمتها. بفقد الأسد جزءا من الهرم الأمني الذي قتل عدد منه منذ أسابيع، يبقى في الميدان عاريا إلا من المتزاحمين، وهم يزينون له القتل وسفك الدماء.

المعارضة لسبب يمكن أن يكون معروفا وهو ثنائية «سندروم»؛ «الإقصاء والاستحواذ» في الثقافة العربية، غير قابلة للتآلف، حتى ودماء شعبها تسفك بغير رحمة، يقاوم بعضها الانتظام في جبهة من أجل تجاوز ذلك «السندروم» الخبيث!

هنا تأتي الخطة «ب» للسيد الأخضر الإبراهيمي؛ تتألف الخطة الاستراتيجية من سبعة حروف؛ «الصراحة»، خلف الأبواب المغلقة. هو يعرف أنه لا شيء سوف يخسر، لا هو ولا من فوضه، إن فشلت خطته، فالكلام المبطن والكلمات والعبارات حمالة الأوجه لن تفيد في هذه المرحلة. عليه أن يقول للأعمى: أنت أعمى، حتى لو افترضنا التزامه بالدبلوماسية التي يتمتع بها، فلا نطالبه بقولها علنا، فليقلها خلف الأبواب، عليه أن يحمل الفريقين على النظر إلى الوجه المظلم للقمر، حيث يعتقدان أنه مضيء!

ليقل الأخضر لبشار الأسد: أيها الرئيس لقد فقدت تأييد كثير من شعبك، وما الدماء التي أريقت حتى الآن إلا سد منيع بينك وبين الاستمرار في حكم هذا الشعب، حتى لو قتلت آخر مسلح أو آخر طفل. عليك أن لا تستمع إلى الدائرة التي حولك والتي تضيق. إن أردت أن تقدم التضحية الأخيرة لشعبك، ومن بعده أمتك، وتنقذ سوريا، اعزم على الرحيل. ودعنا ننظر في مخرج آمن لك، ما دام هناك قليل من الوقت، عليك أن تمسك بيدي لنخرج من هذا المأزق الذي (اسمح لي يا سيادة الرئيس) أدخلت نفسك ووطنك فيه، من خلال خيارات سياسية عمياء، ليس الوقت مناسبا للحديث عنها، عليك أن تفوض سلطاتك لخمس شخصيات (أو أكثر أو أقل) من نظامك، معهم نفس العدد تتوافق عليه المعارضة، من أجل إخراج سوريا من هذا الذي هي فيه، وتجنيبها الأفدح والأكثر تكلفة في المقبل من الأيام، عليك أن تخرج من ثياب «نيرون»، ودعنا نلبسك ملابس «مانديلا» مع الخلاف في التشبيه.

الخطة «ب» لا تنتهي هنا، في قصر المهاجرين، بل تستمر أيضا مع المعارضة في باريس أو إسطنبول أو القاهرة، ربما الأخضر من جديد يطبق نفس الاستراتيجية (الصراحة) وبيان نصف القمر المظلم، حتى خلف أبواب مغلقة. أنتم في المعارضة عليكم أن تأتوني بفكر وتصور موحد، ليس للمرحلة الانتقالية، ولكن ما بعدها. عليكم أن تعرفوا أن أخطر ما واجه العرب في نضالهم، وأخطر ما واجه كل الحركات النضالية في العالم منذ أكثر من قرن، ليس أعداءهم بل انقسامهم. إن استمر الانقسام، فإن من سيفوز في النهاية هو طرف ثالث، لا نعرف مواصفاته الآن. تحرروا من أنانيتكم المفرطة ولا تختبئوا خلف شعارات براقة، شعبكم يُقتل يوميا؛ كان بالعشرات، وأصبح الآن بالمئات.

كل تأخير في لم شمل الجناحين العسكري والمدني لا يفقدكم الصدقية أمام العالم فقط، بل يزيد من تدفق دم جديد من مهجة سوري، ودموع وصراخ من ثكلى أم أو زوجة أو أخت، وفرصة جديدة لهدم الوطن. أنتم أقلية صارخة، ولكن هناك أغلبية صامتة ومتألمة هي الشعب السوري، الذي عليه في نهاية المطاف أن يقرر بكامل حريته المستقبل الذي يريد، فلا تفوتوا فرصة وقوف العالم معكم وتوحدوا.

إن أكبر أعداء النظام السوري والمعارضة ليس الآخرين، بل أنفسهم، ودون استراتيجية خلاقة قد ينتهي الأخضر كما انتهى أنان؛ حمل العصا من الوسط، وتغليب العبارات المبهمة، فانتهى دون أن تذرف عليه المعارضة أو السلطة دمعة حسرة، ولا المجتمع العالمي.

أصدقاء الإبراهيمي لا يريدون له نفس النتيجة، بل يرغبون من كل قلوبهم في أن يضع تصورا يعرضه على الجميع، مشفوعا بعبارة واحدة: «خذوه أو اتركوه. وتحملوا المسؤولية التاريخية، فالعالم لم يخلق أمس، ولن ينتهي غدا». ويقول ذلك على رؤوس الأشهاد.

آخر الكلام:

مجلة «السياسة الخارجية» هذا العدد، نشرت مقالا بعنوان «ثمن الربيع العربي»؛ قتلى بعشرات الآلاف وانهيار في الاقتصاد، وهدم المدن، وتدمير البيئة. بودي أن يترجم هذا المقال ليعرف القارئ العربي كم هي فادحة الأثمان التي دفعت، وكم من الفرص سيضيع..!