سوريا: الحقائق والخطوط الحمراء

TT

في زحام الأحداث المتخمة بالدماء والأشلاء في الداخل السوري، والدعم اللامحدود الذي يحظى به نظام بشار الأسد من روسيا والصين وإيران، والتجاذبات الدولية الغربية الفاشلة في إيجاد أي سبيل للخلاص وحماية الشعب السوري، فإن ثمة حقائق ينبغي استحضارها والتذكير بها.

أولا: الثورة السورية بدأت سلمية متأثرة بما يسمى بالربيع العربي ولكن لها حالة خاصة؛ فهي تتغذى بتاريخ دامٍ مع نظام باطش لا يكاد يوجد له شبيه في المنطقة والعالم المعاصر، وقد اختار النظام مواجهتها بكل قوة وعنف ودموية أملا في ردعها والقضاء عليها وفق خبرته الخاصة وتاريخه القمعي، مما أدى بها إلى أن تتطور بشكل طبيعي ومنطقي إلى ثورة مسلحة ترد على قوة السلاح بقوة السلاح مع مزيد إصرار على الخلاص، الذي ترى أنه قد حانت ساعته.

ثانيا: بدأ استخدام السلاح فرديا يحدوه الغضب ويقوده الحقد الطبيعي الذي نشره النظام في صفوف المسالمين من عامة الشعب، وكثير منهم لم يشارك حتى في الحراك السلمي، ولكن قصف مدنهم وبيوتهم وقتل أقاربهم وأصدقائهم أجبرهم بشكل إنساني طبيعي على التحول لخصوم أشداء ضد النظام يسعون للانتقام ويعبرون في مجملهم عن ردة فعل متفهمة تجاه عنف نظام شرس.

ثالثا: وفي تطور طبيعي جديد، انتقل هذا الغضب والاحتجاج من مجرد ردة فعل إلى فعل سياسي وعسكري اتجه للتنظيم والتخطيط وبناء الرؤى، سياسيا عبر المجلس الوطني وعسكريا عبر الجيش الحر، وحين تعطل التطور السياسي في صناعة فرق يذكر بحكم تخاذل القوى الدولية الغربية في اتخاذ أي قرار دولي أو عمل خارج المؤسسات الدولية، فإن التطور العسكري واصل مسيره نحو الفعل والتأثير، وإن عبر خط متعرج لأسباب متعددة، فهو قام بعمليات نوعية وسيطر على مساحات كبيرة من البلاد.

رابعا: يمكن عبر الرصد المتوازي التأكيد على أن قوة النظام بشكل عام تتدهور وتتقلص وتفقد السيطرة في كثير من المناطق، وبالمقابل فإن قوة الجيش الحر تتصاعد وتزداد قوة وتأثيرا، مع استحضار أن جيش النظام وقواته يحظون بتسليح غير محدود من روسيا وإيران، أما الجيش الحر فلا يحظى إلا بدعم مستتر لا يمكن مقارنته بأي حال بالتسليح الذي يحظى به نظام الأسد. ومع هذا يزداد اليقين لدى رموز النظام وداعميه (قبل غيرهم) بأنه في طريقه للنهاية.

خامسا: لقد أصبحت نهاية النظام تعبر عنها الانشقاقات الكبرى عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا وثقافيا، فالكل بدأ يفتش عن مخرج آمن يفر به من مركب النظام الذي يغرق؛ فمنهم من نجح ومنهم من فشل فقضى تحت آلة قمع النظام. لقد أصبح الجميع يرى أن النظام آيل للسقوط إن عاجلا أو آجلا، وبقيت بقية تريد الانشقاق ولكنها تخشى بطش النظام وتعلم أنه لا يتورع عن استخدام أعتى الأساليب وأشنعها في مواجهة خصومه والمنشقين عليه، سواء من داخل سوريا أم في لبنان الذي بنى النظام مع كثير من رموزه علاقات طويلة الأمد.

سادسا: لطالما اعتبر نظام الأسد لبنان مزرعة خلفية له، يدعم حلفاءه ويقمع ويقتل ويفجر معارضيه، والتاريخ طويل والشواهد أكثر من أن تحصى، ولكن المشهد داخل لبنان أخذ في الاختلاف الآن، فقد صار لبنان يخاطب سوريا كدولة ند، وأصبح حلفاء النظام السوري بلبنان محبطين تجاه الواقع والمستقبل، وبعد فضيحة ميشال سماحة، تباينت مواقفهم بين من هم خاضعون بالكلية لدعم الأسد عمليا وخطابيا، كحزب الله، بأمر أعلى من إيران، وقد بدا الوهن في خطابهم جليا، ومن أخذ في التعبير عن مواقف أقل حماسة من السابق، كما يفعل الجنرال السابق ميشال عون، ومن يفكر في الانشقاق ولكن تنقصه شجاعة وليد جنبلاط، الذي لم يجد سابقا بدا من الخضوع للأسد وشق صفوف 14 آذار، وتمكين حكومة حزب الله من السيطرة على لبنان، إلا أنه لم يدخر وسعا في رد الجميل لنظام الأسد بمجرد أن وجد متنفسا في الأحداث السورية يسمح له بالعودة لمواقعه السابقة.

سابعا: أصبحت كل القوى الدولية والإقليمية ترسم خطا أحمر لخصومها؛ فالولايات المتحدة ترسم خطا أحمر للنظام السوري (فقط) فيما يتعلق بالأسلحة الكيماوية، وروسيا قابلت ذلك بخط أحمر خاص بها، وذلك حين عبر وزير الخارجية الروسي لافروف سابقا بقوله: «الخط الأحمر واضح». ولم تفتأ الجمهورية الإسلامية بإيران عن التعبير عن أن أمن نظام بشار الأسد خط أحمر بالنسبة لها، وقد كشفت صحيفة «التلغراف» البريطانية، بالاعتماد على مخابرات غربية، عن تقرير إيراني برعاية المرشد الأعلى علي خامنئي يؤكد فيه أنه «يتعين على السلطات الإيرانية أن توضح للغرب أن هناك خطوطا حمراء لا يجب تجاوزها بأي شكل من الأشكال في التعامل مع ما يجري على الأرض في سوريا» (العربية. نت) وبقي الشعب السوري بلا خط أحمر يحمي حياته ومستقبله ويدافع عنه.

ثامنا: لقد سقطت كل أقنعة النظام السوري حول المقاومة والممانعة شر سقوط، وحار داعموه سياسيا وثقافيا وإعلاميا في التفتيش عن مخرج يبقي لهم شيئا من شخصياتهم ومكانتهم، وقد خابت ظنونهم وانكشف عوارهم وظهرت سوأتهم، فهم اليوم يفتشون عن ملجأ جديد أو شعار محدث أو تحليل مصطنع للاختباء تحته والاستظلال بظله.

تاسعا: لن تكون مهمة الأخضر الإبراهيمي أفضل من مهمة أنان، وهي فاشلة قبل أن تبدأ، وسيكون نجاحها المبهر الوحيد هو منح الأسد مزيدا من الوقت ليقتل مزيدا من أبناء شعبه.

على الدول العربية ومن يدعمها من الدول الإسلامية ودول العالم أن تضع خطوطها الحمراء تجاه إبادة الشعب السوري وخلق نظام الأسد وترسيخه لحرب أهلية بسوريا، وأن تحمي بدورها مصالحها في سوريا والمنطقة لتثبّت نفسها كفاعل قوي ومؤثر في المنطقة، وأن تكون قادرة على رد جميل العراق الجديد وخضوعه الكامل للأجندة الإيرانية.

كما أن توجه سياسات الولايات المتحدة والغرب لأمرين يجب أن يكون حاضرا لدى صانع القرار العربي؛ أولا: انحيازها الكامل لدعم حركات الإسلام السياسي للظفر بالسلطة في كثير من بلدان العالم العربي، ثانيا: منحها الدور الأكبر لتركيا فيما يجري بسوريا وبالتالي في المنطقة.